قال رحمه الله: [اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ، وَمَعْنَى (يعبدونِ) : يوحدونِ، وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحيِدُ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْه الشِّركُ، وَهُوَ دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:36]] .
هذا التمهيد أيضاً للأصول الثلاثة، وهو بيان لدين الإسلام في الجملة؛ فإن دين الإسلام هو ملة إبراهيم، فقال رحمه الله: [اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إبراهيم أن تعبد الله وحده] والحنيفية التي كلٌ يتمنى أن ينتسب إليها، وكلٌ يسعى إلى الاتصاف بها هي ملة إبراهيم، وهي التي من رغب عنها فقد سفه نفسه، كما قال الله جل وعلا: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130] أي: خسرها وأهملها.
والدليل على أن ملة إبراهيم هي الحنيفية قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:95] ، وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120] ، فملة إبراهيم هي الحنيفية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم مجدداً لها، وداعياً إليها.
والحنيفية في الأصل؛ مأخوذة من: (حنف) ، وهو: الميل من الضلال إلى الاستقامة.
ويقابلها الجنف، وهو: الميل من الاستقامة إلى الضلال.