لوازم الشيء، فمن كل لازم رسم، ومن كل لفظ يؤلف دلالة. قلت: ومعنى قولنا في حد الحد: إنه شرح ما دل عليه اللفظ، نعني باللفظ لفظ السائل، فإنه إذا قال: ما حقيقة الإنسان؟ فقلنا له هو الحيوان الناطق، فهو إن كان عالماً بالحيوان وبالناطق فهو عالم بالإنسان وإنما سمع لفظ الإنسان ولم يعلم مسماه وعلم أن له مسمى غير معنى؟
فبسطنا له نحن ذلك المسمى المجهول وقلنا له: هو الحيوان الناطق فصال مفصلاً ما كان عنده مجملاً بالنظر إلى اللفظ لا بالنسبة إلى مسمى اللفظ في نفسه، ولا بالنسبة إلى الحقيقة، وإن فرضناه جاهلاً بحقيقة الإنسان فقد حددنا له بما هو مجهول عنده، فوجب حينئذ أن يكون حدنا باطلاً، لأن التحديد بالمجهول لا يصح، لكنه صحيح فدل ذلك على أنه كان عالماً بالحقيقة، فما أفاده حينئذ أن يكون حدنا باطلاً، لأن التحديد بالمجهول لا يصح، لكنه صحيح فدل ذلك على أنه كان عالماً بالحقيقة، فما أفاده حينئذ لفظنا إلا بيان نسبة اللفظ إلى المعنى الذي يسأل عنه. .
فإن قلت: هل يتصور أن يكتسب بالحد حقيقة مجهولة فإن ما ذكرته يمنع من ذلك؟ قلت: لا شك أن من لم يعرف الحبر قط إذا سأل عنه يمكننا أن نقول له: هل تعرف الزاج
والعفص والسواد والماء؟ (?) فيقول: نعم، فنقول له: اعلم أنه عبارة عن ماء العفص والزاج يجمع بينهما فيحدث حينئذ السواد، فهذا هو الحبر؛ فيئول الحال إلى تعريف الهيئة الاجتماعية من هذه البسائط المعلومة له، أما تعرفه بما يجهله فلا سبيل إليه، والهيئة الاجتماعية وقعت في نفسه بعد أن كانت مجهولة، بخلاف المثال المتقدم في الإنسان، ومع هذا فلا تخرج من هذه الصورة عن الحد المتقدم، وإنما شرحنا ما كان مجملاً بألفاظ بسائط الزاج وغيره.
وهو غير المحدود إن أريد به اللفظ وعينه إن أريد به المعنى.
هذا هو إشارة على القولين المتقدمين اللذين حكاهما الغزالي، ولا شك أن لفظ الحيوان والناطق الذي وقع في التحديد هو غير الإنسان، ومدلول هذا اللفظ هو عين الإنسان.