عمل أهل المدينة فليس هذا باباً اخترعه ولا بدعاً ابتدعه، ومن هذا الباب ما يروى عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي أو فاضربوه بمذهبي عرض الحائط، فإنه كان مراده مع عدم المعارض، فهو مذهب العلماء كافة وليس خاصاً به، وإن كان مع وجود المعارض فهذا خلاف الإجماع فليس هذا القول خاصة بمذهبه كما ظنه بعضهم.
كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا ويقولون: مذهب الشافعي كذا لأن الحديث صح فيه وهو غلط فإنه لا بد من انتفاء المعارض والعلم بعدم المعارض يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يقول لا معارض لهذا الحديث، وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به، فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يحصل لنفسه أهلية هذا الاستقراء قبل أن يصرح بهذه الفتوى لكنه ليس كذلك فهو مخطئ في هذا القول.
الاستدلال هو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد لا من جهة الأدلة المنصوبة، وفيه قاعدتان.
القاعدة الأولى في الملازمات: وضابط الملزوم ما يحسن فيه (لو) واللازم ما يحسن فيه اللام كقوله تعالى: «لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا» (?) وكقولنا إن كان هذا الطعام مهلكاً لهو حرام، تقديره لو كان مهلكاً لكان حراماً، والاستدلال إما بوجود الملزوم أو بعدمه أو بوجود اللازم أو بعدمه فهذه الأربعة منها اثنان منتجان واثنان عقيمان فالمنتجان الاستدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم وبعدم اللازم على عدم الملزوم فكل ما أنتج عدمه فوجوده عقيم وكل ما أنتج وجوده فعدمه عقيم (?) إلاّ أن يكون اللازم مساوياً للملزوم فتنتج الأربعة، نحو قولناك لو كان هذا إنساناً لكان ضاحكاً بالقوة، ثم الملازمة قد تكون قطعية كالعشرة مع الزوجية، وظنية كالنجاسة مع كأس الحجام، وقد تكون كليّة كالتكليف مع العقل فكل مكلف عاقل في سائر الأزمان والأحوال، فكليتها باعتبار ذلك لا باعتبار الأشخاص، وجزئية كالوضوء مع الغسل،