إذا استثفتى مجتهد فأفتى ثم سئل ثانية عن تلك الحادثة فإن كان ذاكراً لاجتهاده الأوّل أفتى وإن نسي استأنف الاجتهاد، فإن أداه إلى خلاف الأوّل أفتى بالثاني قال الإمام والأحسن أن يعرف العامي ليرجع، ولا يجوز لأحد الاستفتاء إلاّ إذا غلب على ظنه أن الذي يفتيه من أهل العلم والدين والورع، فإن اختلف عليه العلماء في الفتوى فقال قوم. يجب عليه الاجتهاد في أعلمهم وأورعهم لتمكنه من ذلك، وقال قوم لا يجب ذلك لأن الكل طريق إلى الله تعالى ولم ينكر أحد على العوام في كلّ عصر ترك النظر في أحوال العلماء، وإذا فرعنا على الأوّل فإن حصل ظن الاستواء مطلقاً فأمكن أن يقال ذلك متعذر كما قيل في الأمارات، وأمكن أن يقال سقط عنه التكليف ويفعل ما يشاء، وإن حصل على الرجحان مطلقاً تعين العمل بالراجح وإن حصل من وجه فإن كان في العلم والاستواء في الدين فمنهم من خير ومنهم من أوجب الأخذ بقول الأعلم، قول الإمام وهو الأقرب ولذلك قدم في إمامة الصلاة وإن كان في الدين والاستواء في العلم فيتعين الأدين فإن رجح أحدهما في دينه والآخر في علمه فقيل يتعين الأدين وقيل الأعلم قال وهو الأرجح كما مر.
إن كان المجتهد ذاكراً للاجتهاد ينبغي أن لا يقتصر على مجرد الذكر بل يحركه لعله يظفر فيه بخطأ أو زيادة بمقتضى قوله تعالى: «فاتقوا الله ما استطعتم» (?) ولأن رتبة المجتهد أن لا يقصر ولا يترك من جهده شيئاً، فإن استقر له اجتهاد في زمن لا يلزمه استقراره دائماً، بل الله تعالى خلاق على الدوام، فيخلق في نفسه علوماً ومصالح لم يكن يشعر بها قبل ذلك فإهمال ذلك تقصير.
وإنما قال الإمام الأحسن أن يعرف العامي إذا تغير اجتهاده لأن الاجتهاد لا ينقض
بالاجتهاد ولكن الثاني أغلب على الظن من الأوّل فلو قطع ببطلان الأوّل وجب عليه تعريف العامي، ومدرك العامي في أن الذي يستفتيه من أهل العلم والدين والورع الأخبار وقرائن الأحوال فذلك عند العامة متيسر، وأما إذا لم