إنه مصيب ولا مخطئ، وإذا قلنا في نفس الأمر حكم معين وهو ما تضمنه المصلحة الخالصة أو الراجحة فمن صادفه فهو المصيب ومن لم يصادفه فهو مخطئ له، فليس كلّ مجتهد مصيباً.
ومعنى المذهب الثالث، وهو القول بالأشبه: أنه ليس في نفس الأمر حكم معين وإنما في نفس الأمر ما لو عين الله شيئاً لعينه فهو أشبه الأمور بمقاصد الشريعة، كما تقول لا نبي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي الزمان رجل صديق خير لو أن الله تعالى يبعث نبياً لبعثه، والقائل الآخر يقول ليس في نفس الأمر شيء هو أشبه، والظاهر هو الأوّل فإن الأفعال المتخيلة لا تخلو عن الرجحان في بعضها، والقائل الثاني يقول إذا لم يعين الله تعالى شيئاً استوت الأفعال، كما لو أن المباحات كلها مباحة لم تختلف وإن كانت مصالحها مختلفة.
حجة الدليل القطعي على الحكم في نفس الأمر: أن تكليف الكل بشيء معين يعتمد دليلاً يظهر للكل وما ذاك إلاّ القطعي، أما الظني فيختلف فيه القرائح.
حجة الدليل الظني: أن الله سبحانه وتعالى امتحن الخلق بذلك الحكم في نفس الأمر وأمرهم ببذلك الجهد في طلبه، فلولا أنه ودليله في غاية الخفاء لعرفه الكل فزال الامتحان وليس كذلك.
حجة أنه ليس دليل لا ظني ولا قطعي: أنه لو كانت عليه أمارة لفهمها الكل ألا ترى أن المطر إذا كانت عليه أمارة علمها الكل، لكن الحكم ليس كذلك فلا أمارة عليه.
وقول بشر باستحقاق العقاب إذا أخطأه لأنه يجعل التقصير من جهته ومن قصر استحق العقاب.
حجة الجمهور: قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران» فجعل الثواب مع الخطأ فلا عقاب حينئذ.
وأما قول الأصم: أنه ينقض قضاء القاضي إذا خالفه فإنه في غاية العسر من جهة تصوره، بسبب أن هذا الحكم غير معلوم، وكذلك دلسله. ونحن وإن قلنا المصيب واحد فهو غير معلوم، ونقض قضاء القاضي إنّما يكون بما يتحقق وما لا يتحقق كيف ينقض به القضاء فهذا المذهب مشكل.
وأما قول المصوبة: إنه يجب عليه اتباع ظنه وإن خالف الإجماع فمسلم، ولكن