تعالى بعد ذلك: «وذروا البيع» نهى عن البيع، لأنه يمنع من فعل الجمعة بالتشاغل بالبيع، فيكون هذا إيماء لأن العلة في تحريم البيع هي التشاغل عن الجمعة.
والثالث: المناسبة ما تضمن تحصيل مصلحة أو درء مفسدة، فالأول كالغنى علة لوجوب الزكاة، والثاني كالإسكار علة لتحريم الخمر، والمناسب ينقسم إلى ما هو في محل الضرورات، وإلى ما هو في محل الحافجات، وإلى ما هو في محل التتمات، فيقدم
الأوّل على الثاني والثاني على الثالث عند التعارض، فالأول نحو الكليات الخمس وهي حفظ النفوس والأديان والأنساب والعقول والأموال قيل والأعراض، والثاني مثل تزويج الولي الصغيرة، فإن النكاح غير ضروري، لكن الحاجة تدعوى إليه في تحصيل الكفؤ لئلا يفوت، والثالث ما كان حثاً على مكارم الأخلاق كتحريم تناول القاذورات وسلب أهلية الشهادات عن الأرقاء ونحو الكتابات ونفقات القرابات، وتقع أوصاف مترددة بين هذه المراتب كقطع الأيدي باليد الواحدة فإن شرعيته ضرورية صوناً للأطراف وإن أمكن أن يقال ليس منه لأنه يحتاج الجاني فيه إلى الاستعانة بالغير وقد يتعذر، ومثال اجتماعها كلها في وصف واحد أن نقطة النفس ضرورية والزوجات حاجية والأقارب تتمة واشتراط العدالة في الشهادة ضروري صوناً للنفوس والأموال وفي الإمامة على الخلاف حاجية لأنها شفاعة، والحاجة داعية لإصلاح حال الشفيع، وفي النكاح تتمة لأن الولي قريب يمنعه طبعه عن الوقوع في العار والسعي في الأضرار، وقيل حاجية على الخلاف، ولا يشترط في الإقرار لقوة الوازع الطبيعي ودفع المشقة عن النفوس مصلحة ولو أفضت إلى خلاف القواعد، وهي ضرورية مؤثرة في الترخيص كالبلد الذي يتعذر فيه العدول.
قال ابن أبي زيد في النوادر تقبل شهادة أمثلهم حالاً لأنها ضرورة، وكذلك يلزم في القضاة وولاة الأمور، وحاجية على الخلاف في الأوصياء في عدم اشتراط العدالة وتمامية في السلم والمساقاة وبيع الغائب، فإن في منعها مشقة على الناس وهي من تتمات معاشهم.