وقولي: (عادة) احتراز من العقل، فإن العلم التواتري عادي لا عقلي، لأن العقل يُجوِّز الكذب عن كلّ عدد وإن عظم، وإنما هذه الاستحالة عادية.
وأكثر العقلاء على أنه مفيد للعلم في الماضيات الحاضرات. والسُّمَنية (?) أنكروا العلم واعترفوا بالظن، ومنهم من اعترف به في الحاضرات فقط.
لنا أن نقطع بدولة الأكاسرة والأقاصرة والخلفاء الراشدين ومن بعدهم من بني أمية وبني العباس من الماضيات وإن كنا لا نقطع بتفصيل ذلك، ونقطع بوجود دمشق وبغداد وخراسان وغير ذلك من الأمور الحاضرة، فقد حصل العلم بالتواتر من حيث الجملة.
احتجوا بأن كثيراً ما نجزم بالشيء ثم ينكشف الأمر بخلافه فلو كان التواتر يفيد العلم لما جاز انكشاف الأمر بخلافه ولأن كلّ واحد من المخبرين يجوز عليه الكذب فيجوز على المجموع لأن كلّ واحد من الزنج لما كان أسود كان مجموعهم أسود.
والجواب ن الأوّل: أن تلك الصور إنّما حصل فيها الاعتقاد، ولو حصل العلم لم يجز أن ينكشف الأمر بخلافه ونحن لم ندَّعِ حصول العلم في جميع الصور، بل ادَّعَينا أنه قد يحصل، وذلك لا ينافي عدم حصوله في كثير من الصور. وعن الثاني أن الأحكام قسمان: قسم لا يجوز ثبوته للآحاد بل لمجموعها فقط، كإرواء مجموع القطرات من الماء، وإشباع مجموع لقم الخبز، وغلَبَة مجموع الجيش للعدو وغير ذلك، فهذه أحكام ثابتة للمجموعات دون الآحاد. ومنه ما يثبت للآحاد فقط كالألوان والطعوم والروائح فإنَّها يستحيل ثبوتها إلاّ للآحاد أما المجموعات فأمور ذهنيّة، والأمور الذهنيّة لا يمكن أن تقوم بها كيفيات الألوان وغيرها فحصول العلم عند مجموع إخبارات المخبرين كحصول الري والشبع ونحوهما فلا يلزم ثبوته للآحاد فاندفع الإشكال.