نصوص القرآن والسنة وأحوال الصحابة وذلك يفيد القطع عند المطَّلع عليه، وأن هذه الأمة معصومة من الخطأ وأن الحق لا يفوتها فيما بينته شرعاً، فالحق واجب الاتباع، فقولهم واجب الاتباع، احتجوا بأن اتفاق الجمع العظيم على الكلمة الواحدة في الزمان الواحد محال في مجاري العادة، كما أن اتفاقهم على الميل إلى الطعام الواحد في الزمان الواحد محال، ولأن الله تعالى نهاهم عن المنكر بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» (?) «ولا تقربوا الزنا» (?) ، «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق» (?) وغير ذلك من النصوص، ولولا أنهم قابلون للمعاصي لما صح نهيهم عن هذه المناكر.
والجواب عن الأوّل: اتفاقهم في زمن الصحابة ممكن ولا يكاد يوجد إجماع اليوم إلاّ وهو واقع في عصر الصحابة - رضي الله عنهم - وإجماعهم حينئذ ممكن لعدم انتشار الإسلام في أقطار الأرض، ولأن مقصودنا أنه حجة إذا وقع ولم يتعرض للوقوع، فإن لم يقع فلا كلام، وإن وقع كان حجة. هذا هو المقصود، وعن الثاني: أن الصيغ العامة موضوعة في لسان العرب لكل واحد واحد، لا المجموع؛ فيكون كلّ واحد منهم غير معصوم، ولا نزاع في ذلك، إنّما النزاع في مجموعهم لا في آحادهم، وقد تقدم بسط هذا في باب العموم.
وأما إمام الحرمين في البرهان فسلك طريقاً آخر، وهو أن إجماعهم على دليل قاطع أوجب لهم الاجتماع، فيكون قولهم حجة قطعاً لذلك القاطع، لا لقولهم والجمهور تقول بل النصوص شهدت لهم بالعصمة، فلا يقولون إلاّ حقاً، استندوا لعلم أو ظن، كما أن الرسول - عليه السلام - معصوم لا ينطق عن الهوى. وما يقوله في التبليغ يجب اعتقاد أنه حق، كان مستنده ظناً أو علماً، فالقطع نشأ عن العصمة لا عن المستند.