رافعة لعدم الحكم لا للتحريم فلا يكون نسخاً، أو نسلم التحريم، ونقول حكم التحريم بمقتضى آدميته وشرفه من غير نظر إلى الجنايات، وهذا التحريم باق، ولا تنافي بين التحريم له من حيث هو هو، وإباحته من جهة الجنايات، كما أن إباحة الميتة من جهة الاضطرار لا يكون نسخاً للتحريم الثابت لها من حيث هي هي، وإنما يحصل التنافي أن لو أبحناه من حيث هو هو، أو أبحنا الميتة من حيث هي ميتة، وإذا لم يحصل التناقض لا يكون نسخاً فلا يكون إباحة يده مع الجناية نسخاً بل رفعاً لعدم الحكم، فإن أحكام الجناية لم تكن مترتبة، بل صارت مترتبة، وكذلك التخيير بين الواجب وغيره ليس نسخاً لأنه إن قيل لك لمَ لا تتخير بين صلاة الظهر وصدقة درهم؟
نقول لأن البدل لم يشرع، فيشير إلى عدم المشروعية، وعدم المشروعية حكم عقلي، فمتى خير بين واجب وغيره، فقد رفع عدم مشروعية ذلك البدل فقط، ووجوب الصوم إلى الشفق يرفع عدم الوجوب من المغرب إلى الشفق، فهو حكم عقلي، ولهذه التقيرات يتضح لك ما هو نسخ مِمّا ليس بنسخ فتأملها!.
ونقصان العبادة نسخ لما سقط دون الباقي إن لم يتوقف، وإن توقف قال القاضي عبد الجبار هو نسخ في الجزء دون الشرط، واخترا فخر الدين والكرخي عدم النسخ.
مثال نسخ ما لا يتوقف عليه العبادة نسخ الزكاة بالنسبة إلى الصلاة، فإنه لا يكون نسخاً، مثال الجزء ركعة من الصلاة، مثال الشرط الطهارة مع الصلاة.
لنا أن إيجاب ذلك كله يجري مجرى إثبات الحكم للعموم، وكما أن إخراج بعض صور العموم لا يقدح، فكذلك هنا.
احتجوا بأن نسخ هذه الركعة مثلاً يقتضي نفي عدم إجزاء الركعة الباقية، فإنَّها كانت لا تجزئ صارت تجزئ، ويقتضي رفع وجوب تأخير التشهد إلى بعد الركعة المنسوخة، فإنه ما بقي ذلك بعد النسخ، بل يتعجل التشهد عقيب الباقي بعد النسخ، وكانت الركعة الباقية تجزئ إذا فعل معها المنسوخة، والآن وجب علينا إخلاء الصلاة منها، والإجزاء حكم شرعي.