بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها» الحديث، ولأنه دليل شرعي فينسخ كسائر الأدلة، ولأنه يخصص الكتاب فينسخه، لأن النسخ تخصيص في الأزمان.

والجواب عن الأوّل: أن الآية إنّما اقتضت التحريم إلى تلك الغاية فلا ينافيها ورود تحريم بعدها، وإذا لم ينافها لا يكون ناسخاً لأن من شرط النسخ التنافي. وعن الثاني: أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال فيحمل العام على حالة عدم القرابة المذكورة. سلمناه لكنه تخصيص ونحن نسلمه إنّما النزاع في النسخ. وعن الثالث: الفرق أن تلك الأدلة المتفق عليها مساوية أو أقوى وهذا مرجوع فلا يلحق بها. وعن الرابع: أن النسخ إبطال لما اتصف بأنه مراد فيحتاط فيه أكثر من التخصيص لأنه بيان للمراد فقط، وأما تحويل القبلة فقالوا احتفت به قرائن وجدها أهل قباء لما أخبرهم المخبر من ضجيج أهل المدينة، وغير ذلك حصل لهم العلم، فلذلك قبلوا تلك الرواية. سلمنا عدم القرائن لكن ذلك فعل بعض الأمة، فليس حجة، ولعله مذهب لهم فإنَّها مسألة خلاف.

ويجوز نسخ السنة بالكتاب عندنا خلافاً للشافعي - رضي الله عنه - وبعض أصحابه.

لنا نسخ القبلة بقوله تعالى: «وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره» ولم يكن التوجه لبيت المقدس ثابتاً بالكتاب عملاً بالاستقراء.

في كون التوجه لبيت المقدس ليس من القرآن، فيه نظر، من جهة أن القاعدة أن كلّ بيان المجمل يعد مراداً من ذلك المجمل وكائناً فيه. والله تعالى قال: «وأقيموا الصلاة» (?) ولم يبين صفتها، فبينها عليه الصلاة والسلام بفعله لبيت المقدس وكان ذلك مراداً بالآية، كما أن نقول في قوله عليه الصلاة والسلام: «فيما سقت السماء العشر» بيان لقوله تعالى: «وآتوا الزكاة» (?) وهو مراد منها، وكذلك هنا وهو القاعدة: أن كلّ بيان المجمل يعد مراداً من ذلك المجمل، فكان التوجيه لبيت المقدس ثابتاً بالقرآن بهذه الطريقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015