المسائل في هذا المعنى أربع: إحداهن أن يوقت الفعل بزمان مستقبل فينسخ قبل حضوره. وثانيها: أن يؤمر به على الفور فينسخ قبل الشروع فيه. وثالثها: أن يشرع فيه فينسخ قبل كماله. ورابعها: أن يكون الفعل يتكرر فيفعل مراراً ثم ينسخ. فأما الثلاثة الأولى فهي في الفعل الواحد غير المتكرر. وأما الرابعة: فوافقنا عليها المعتزلة لحصول مصلحة الفعل بتلك المرات الواقعة قبل النسخ، ومنه نسخ القِبْلة وغيرها، ومنعوا قبل الوقت وقبل الشروع لعدم حصول المصلحة من الفعل، وترك المصلحة عندهم ممتنع على قاعدة الحسن والقبح. والنقل في هاتين المسألتين في هذا الموضع قد نقله الأصوليون. وأما بعد الشروع وقبل الكمال فلم أر فيه نقلاً، ومقتضى مذهبنا جواز النسخ في الجميع.

ومقتضى مذهب المعتزلة التفصيل لا المنع مطلقاً ولا الجواز مطلقاً، فإن الفعل الواحد قد لا يحصل مصلحته إلاّ باستيفاء أجزائه، كذبح الحوان، وإنقاذ الغريق، فإن مجرد قطع الجلد لا يحصل مقصود الذكاة من إخراج الفضلات وزهوق الروح على وجه السهولة، وإخراج الغريق إلى قرب البر وتركه هناك لا يحصل مقصود الحياة، وقد تكون المصلحة متوزعة على أجزائه كسقي العطشان وإطعام الجيعان وكسوة العريان، فإن كلّ جزء من ذلك

يحصل جزءاً من المصلحة الري والشبع والكسوة، ففي القسم الأوّل مقتضى مذهبهم المنع لعدم حصول المصلحة، وفي الثاني الجواز لحصول بعض المصلحة المخرجة للأمر الأوّل عن العبث، كما انعقد الإجماع على حسن النهي عن القطرة الواحدة من الخمر، مع أن الإسكار لا يحصل إلاّ بعد قطرات، لكنه لا يتعين له بعضها دون بعض بل يتوزع عليها، فكذلك هنا، فتنزل الأجزاء منزلة الجزئيات، كذلك يكتفى ببعض الأجزاء. غير أن هنا فرقاً أمكن ملاحظته، وهو أن المصلحة في الجزئيات الماضية في صورة المنقول عنه مصالح تامة أمكن أن يقصدها العقلاء قصداً كلياً دائماً، بخلاف جزء المصلحة في نقطة الماء ونحوها، فإن القصد إليها نادر، ومع هذا الفرق أمكن أن يقولوا بالمنع مطلقاً في هذا القسم من غير تفصيل.

واحتج الشيخ سيف الدين الآمدي في هذه المسألة بنسخ الخمسين صلاة ليلة الإسراء حتى بقيت خمساً، ويرد عليه أنها خبر واحد فلا يفيد القطع، والمسألة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015