وفيه عشرون فصلاً
الحد: هو شرح ما دل عليه اللفظ بطريق الإجمال.
إنما بدأت بالحد في هذا الكتاب؛ لأن العلم إما تصور أو تصديق، والتصديق مسبوق بالتصور، فكان التصور وضعه أن يكون قبل التصديق والتصور إنما يكتسب بالحد كما أن التصديق لا يكتسب إلا بالبرهان، فكان الحد متقدماً على التصور المتقدم على التصديق، فالحد قبل الكل طبعاً، فوجب أن يقدم وضعاً: فلذلك تعين تقديم الحد أول الكل، وهذا السبب أيضاً في تقديم الباب الأول في الاصطلاحات؛ فإن الاصطلاحات هي الألفاظ الموضوعة للحقائق، واللفظ هو المفيد للمعنى عند التخاطب، والمفيد قبل المفاد، فاللفظ ومباحثه متقدمة طبعاً، فوجب أن تتقدم وضعاً.
فإن الغزالي في مقدمة المستصفي (?) : أخلف الناس في حد الحد فقيل: حد الشيء هو نفسه وذاته، وقيل: هو اللفظ المفسر لمعناه على وجه يجمع ويمنع. فقال ثالث. تصير حينئذ هذه المسألة مسألة خلاف، وليس الأمر كما قال هذا الثالث؛ فإن القائلين الأولين لم يتواردا على محل واحد، بل الأول اسم الحد