فلا تناقض تقدم الإباحة، وقولي أو ما يدل على نفي قسمين فيتعين الثالث، معناه أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقع في فعله محرم لعصمته، ولا مكروه لظاهر حاله، فلم يبق إلاّ الوجوب والندب والإباحة فهي ثلاثة، إذا دل الدليل على نفي اثنين منها تعين الثالث لضرورة الحصر، فإذا ذهبت الإباحة والندب تعين الوجوب، أو الوجوب والإباحة تعين الندب، أو الندب والوجوب تعينت الإباحة.
ومعنى الاستصحاب في عدم الوجوب وبالقربة على عدم الإباحة أي من وجوه الاستدلال أن نقول هذه قربة لأنها صلاة أو صيام مثلاً، فلا تكون مباحة، لأن الصلاة في هذه الأبواب عدم الإباحة، والأصل أيضاً عدم الوجوب فيتعين الندب وبالقضاء على الوجوب، هذا على مذهب مالك أن النوافل لا تقضى. وأما على قاعدة الشافعي رضي الله عنه أن العيدين يقضيان، وكل نافلة لها سبب، فلا يقدر أن يقول هذا الفعل قضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون واجباً، لأن القضاء ليس من خصائص الوجوب، وإنما يأتي ذلك على مذهب مالك ومن قال بقوله، وأما كون الأذان لا يكون غلا في واجب فظاهر، فإذا بلغنا أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالأذان للصلاة، قلنا: تلك الصلاة واجبة لوجود خصيصية الوجوب، وإذا بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نذر صلاة أو غيرها من المندوبات وفعلها قضينا على ذلك الفعل بالوجوب، لأن فعل المنذور واجب، فهذه وجوه من الاستدلال على حكم أفعاله عليه الصلاة والسلام إذا وقعت.
تفريع: إذا وجب الاتباع وعارض قوله عليه الصلاة والسلام فعله فإن تقدم القول وتأخر الفعل نسخ الفعل القول كان القول خاصاً به أو بأمته أو عمهما، وإن تأخر القول وهو عام له ولأمته أسقط حكم الفعل عن الكل، وإن اختص بأحدهما خصصه على عموم حكم الفعل، وإن تعقب الفعل القول من غير تراخ وعم القول له ولأمته عليه الصلاة والسلام وخصصه عن عموم القول، وإن اختص بالأمة ترجح القول لاستغنائه بدلالته عن غيره من غير عكس، فإن عارض الفعل الفعل بأن يقر شخصاً على فعل فعل هو عليه الصلاة والسلام ضده فيعلم خروجه عنه.