الدينية، بل في بعض الفروع، مع جوازه في الجميع عقلاً، غير أنه لم يقع، وإذا قيل إن شريعتنا ناسخة لجميع الشرائع؛ فمعناه في بعض الفروع خاصة، فالشريعة الناسخة هي المتأخرة.
وأما تخصيص شريعة بشريعة فيمتنع. أما السابقة باللاحقة فلأن التخصيص بيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلو خصصت المتأخرة المتقدمة لتأخر البيان عن وقت الحاجة، وأما تخصيص المتأخرة بالمتقدمة فلأن عادة الله أن لا يُنزل على قوم ولا يخاطبهم إلاّ بما يتعلق بهم خاصة، فلو نزل في المتقدمة ما يكون بياناً وتخصيصاً للمتأخرة لخوطبوا بما لا يتعلق بهم، وهذا كله عادة ربانية لا وجوب عقلي.
وأما الاستثناء فهو مع اللفظ المستثنى منه كاللفظة الواحدة الدالة على معنى واحد وهو ما بقي. قال القاضي أبو بكر: فالخمسة لها عبارتان: خمسة، وعشرة إلاّ خمسة. واعلم أن تعليلهم ذلك بأن الاستثناء غير مستقل بنفسه يلزم أن يكون التخصيص بالصفة والشرط والغاية كذلك، ولم يذكروه إلاّ في الاستثناء، وهنا فرق آخر يخص الاستثناء وهو أنه يخرج من العدد فتقول له عشرة إلاّ اثنين، وغير الاستثناء لا يمكن ذلك فيه، ولذلك لا يثبت بالقرينة الحالية، فإنه لو قال له عشرة إلاّ اثنين ودلت القرينة على أنه أراد خمسة، لزم أن يكون لفظ العشرة المجاز لا يجوز في لفظ العدد، والتخصيص يجوز بالقرينة، لأن التخصيص مجاز، والمجاز يدخل في العمومات إجماعاً، ولا يجوز أن يتأخر الاستثناء، فلا يقول له عشرة وبعد يوم يقول إلاّ اثنين، لأنه فضْلة في الكلام لا يستقل بنفسه وما لا يستقل بنفسه لا ينفرد بالنطق، وكذلك الشرط والغاية والصفة.
وأما التخصيص بالمخصص المنفصل فلا يمكن جعله مع العام المخصوص لفظاً واحداً؛ لاستقلال كلّ واحد منهما بنفسه. والصواب أن تقول الإخراج جنس للثلاثة: التخصيص والنسخ والاستثناء، فإن الشيء لا يكون جنساً لنفسه، فإذا قلنا التخصيص جنسي للثلاثة لزم أن يكون التخصيص جنساً لنفسه وهو محال. وقولنا التخصيص والاستثناء