وإنما قلنا إن كل حكم شرعي ثابت بالإجماع لأن الأحكام على قسمين منها ما هو متفق عليه فهو ثابت بالإجماع ومنها ما هو مختلف فيه، فقد انعقد الإجماع على أن كل مجتهد إذا غلب على ظنه حكم شرعي فهو حكم الله في حقه وحق من قلده إذا حصل له سببه، فقد صارت الأحكام في مواقع الخلاف ثابتة بالإجماع عند الظنون؛ فكل حكم شرعي ثابت بالإجماع.
وقولنا فهو حكم الله في حقه خير من قول من يقول: فقد وجب عليه العمل بمقتضى ظنه، لأن الاجتهاد قد يقع في المباح فلا يجب العمل به، وكذلك في المحرم والمكروه والمندوب، وإذا قلنا فهو حكم الله في حقه اندرج الجميع. وقولنا إذا حصل له سببه، احترازاً من اجتهاده في الزكاة ولا مال له، أو الجنايات ولا جناية عليه ولا منه، أو في الحيض أو العِدد وليس هو امرأة حتى يثبت ذلك في حقه، لكنه في الجميع بحيث لو فرض حصول سبب ذلك في حقه كان حكم الله ذلك عليه وفي حقه. وأما إن كل ما هو ثابت بالإجماع فهو معلوم فبناءً على أن الإجماع معصوم على ما
تقرر في موضعه، ولأن كل حكم شرعي ثابت بمقدمتين قطعيتين، وكل ما ثبت بمقدمتين قطعيتين فهو معلوم/ فكل حكم شرعي معلوم.
وإنما قلنا إن كل حكم شرعي ثابت بمقدمتين قطعيتين لأنا نفرض الكلام في حكم ونقرر فيه تقريراً ونجزم باطراده في جميع الأحكام. فنقول: وجوب التدليك في الطهارة مظنون لمالك قطعاً عملاً بالوجدان وكل ما ظنه مالك فهو حكم الله قطعاً عملاً بالإجماع؛ فوجوب التدليك حكم الله قطعاً. وهذا التقرير يطرد في جميع صور الخلاف فتكون كلها ثابتة بمقدمتين قطعيتين، وأما إن كال ما ثبت بمقدمتين قطعيتين فهو معلوم فلأن النتيجة تابعة للمقدمات، فثبت بهاتين الطريقتين أن كل حكم شرعي معلوم.
وعن الثاني: أنا نلتزم صحة السؤال ونقول: الحق ما ذكره سيف الدين الآمدي وهو العلم بالأحكام الشرعية الفروعية الخ، ولا نقول العملية؛ فإن الفروعية تشمل ما يتعلق به الفقه. . كان في الجوارح أو القلب.
وعن الثالث: أن بعض المقلدين المطلع على انعقاد الإجماع في وجوب اتباع المقلد للمفتى هو المقصود هنا بالخروج، والعلم حاصل له بمقدمتين قطعيتين، إحداهما هذا أفتاني به المفتي عملاً بالسماع، وكل ما أفتاني به المفتي فهو حكم الله عملاً بالإجماع، فهذا حكم الله. وهذا الاستدلال يطرد له في جميع موارد التقليد فيكون العلم حاصلاً له، غير أن هذا الدليل عام في جميع صور التقليد، وأدله الفقه خاصة بأنواعه؛ فدليل الزكاة غير دليل الصيام فلا فرق بينهما إلا باختصاص الأدلة بالأنواع، وأما في أعيان المسائل فاشترك الفريقان في عدم الدليل عليها؛ فينبغي أن يزاد في الحد: بأدلة مختصة بالأنواع.
وعن الرابع أن اللام للعهد، وتقريره أن الخاصة والعامة مجمعون على سلب الفقه عن جماعة في العالم وإثبات الفقه لجماعة في العالم، فلولا تصور ما لأجله يسلبون ويثبتون وإلا لتعذر منهم ذلك. فتلك الصورة الذهنية هي المشار إليها بلام العهد وهي جملة غالبة معلومة عندهم، ولا تختص بكتاب ولا مذهب معين.