اللبن فيه ثلاثة أوجه إن جزمنا الفعلين (تأكل وتشرب) كان كلّ واحد منهما متعلق النهي، وإن نصبنا الثاني وجزمنا الأوّل لكان متعلق النهي هو الجمع بينهما فقط وكل واحد منهما غير منهي عنه، وإن جزمنا الأوّل ورفعنا الثاني كان الأوّل هو متعلق النهي فقط في حال ملابسة الثاني، أي لا تأكل السمك في حالة شربك اللبن، فالحال ليس منهياً عنها، فإذا قلت لا تسافر والبحر هائج، ولا تصل والشمس طالعة، فلست تنهى عن هيجان البحر ولا عن طلوع الشمس، بل عن الأوّل فقط، كذلك هنا، فتختلف المعاني باختلاف رفع الثاني ونصبه وجزمه، والأول فيا لأحوال الثلاثة مجزوم، والنهي عن البدل يرجع إلى النهي عن الجمع، فإن معنى قولنا إن فعلت ذا فلا تفعل ذاك، أن الجمع بينهما محرم. والنهي عن البدل له صورتان: أن تجعل
غير الواجب بدلاً عن الواجب، كجعل التصدق بدرهم بدلاً عن الصلاة، وأن تجعل بعض الواجب بدلاً عن كله؛ كجعل ركعة بدلاً عن ركعتين.
هو عندنا يقتضي الفساد خلافاً لأكثر الشافعية والقاضي أبي بكر هنا، وفرق أبو الحسين البصري والإمام بين العبادات فيقتضي وبين المعاملات فلا يقتضي، لنا أن النهي إنّما يكون لدرء المفسدة الكائنة في المنهي عنه، والمتضمن للمفسدة فاسد، ومعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها وفي المعاملات عدم ترتب آثارها عليها، إلاّ أن يتصل بها ما يقرر آثارها على أصولنا في البيع وغيره، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن لا يدل على الفساد مطلقاً ويدل على الصحة لاستحالة النهي عن المستحيل.
هذا الفصل في آثار النهي، وأثر الشيء لازم له، فلذلك قال في لازمه،