زيد عتبته، فقد أتاك وما عتبته، والثبوت والنفي نحو قولك لو أتاني زيد لم أعتبه يقتضي أنه ما أتاك وقد عتبته.
وعلى هذه القاعدة أشكل قوله عليه الصلاة والسلام «نعم العبد صهيب؛ لو لم يخف الله لم يعصه» (?) يقتضي أنه خاف وعصى، وذلك ذم والكلام سيق للمدح وإبعاد طوره عن المعصية، وهي قد دخلت على نفيين فيتعين أن يكونا ثبوتين فيلزم ما تقدم، فقال ابن عصفور (لو) هنا بمعنى إن، (وإن) إذا دخلت على نفيين لا يكونان ثبوتين، فلا يلزم المحذور المتقدم. وقال الخسروشاهي: أصل (لو) إنما هي للربط فقط، وانقلاب النفي للثبوت أو الثبوت للنفي، إنما جاء من العرف، والحديث جاء بقاعدة اللغة دون العرف. وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام - رحمه الله - إن المسبب الواحد إذا كان له سبب واحد لزم انتفاؤه، لأنه يثبت مع السبب الآخر، وغالب الناس أن طاعتهم لله تعالى للخوف، فإنهم إذا لم يخافوا عصوا ولا يطيعوا، فأخبر عليه الصلاة والسلام أن صهيباً اجتمع في حقه سببان: الخوف والإجلال لله تعالى، فلو انتفى الخوف لم تصدر منه المعصية لأجل الإجلال، فلو لم يخف الله لم يعصه، وهذا غاية المدحة، كما تقول لو لم يمرض زيد لمات، أي
بالهرم، فإنه سبب آخر للموت، وحيث قلنا يلزم من النفي الثبوت إذا كان للفعل سبب واحد، فكلام النحاة محمول عليه.
فائدة: قال ابن يعيش - في شرح المفصل - (لو) تكون بمعنى (إن) تقول أعجبني لو قام زيد؛ أي قيامه، ومنه قوله تعالى «ودوا لو تدهن فيدهنون» (?) وقوله تعالى «ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفاراً» (?) ، فالمفعوف هو لو وما بعدها، وكذا الفاعل في المثال الأول وهو غريب.