تفسير قوله تعالى: (قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم:8 - 9].

هذا تعجب من زكريا عليه السلام حين أجيب إلى ما سأل وبشر بالولد، ففرح فرحاً شديداً وسأل عن كيفية ما يولد له والوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته كانت عاقراً لم تلد من أول عمرها مع كبرها].

الله تعالى لا يعجزه شيء، والله على كل شيء قدير: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وقد سأل زكريا عليه السلام ربه هذا لما كانت عنده مريم وكان زوج خالتها وقد كفلها فكان يجد عندها فاكهة الصيف في زمن الشتاء وفاكهة الشتاء في زمن الصيف، فكما أن الله سبحانه وتعالى قد يأتي بالشيء في غير وقته، فيمكن أن يأتيه الولد في غير وقت أوانه، ولهذا قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران:37 - 38]، يعني: من أجل ذلك.

وسؤال زكريا لم يكن اعتراضاً على الله، فهو يعلم أن الله لا يعجزه شيء وإنما تعجب من حاله وأنه سيأتيه ولد وهو كبير السن وأصله عاقر، ولهذا سأل ربه الكيفية والوجه الذي يأتيه حتى يتم الفرح، فبين الله له وجعل له علامة وآية وهي ألا يكلم الناس ثلاث ليال، فيستطيع أن يسبح ويهلل ويقرأ، لكن لا يستطيع أن يكلم الناس إلا بالإشارة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومع أنه قد كبر وعتا، أي: عسا عظمه ونحل ولم يبق فيه لقاح ولا جماع، تقول العرب للعود إذا يبس: عتا يعتو عتياً وعتواً، وعسا يعسو عسواً وعسياً.

وقال مجاهد: عتياً بمعنى نحول العظم، وقال ابن عباس وغيره: عتياً يعني: الكبر، والظاهر أنه أخص من الكبر.

وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا هشيم، أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لقد علمت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا، ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف: ((وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا))، أو عسياً، ورواه الإمام أحمد].

مع علم ابن عباس الواسع إلا أنه خفي عليه هذا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورواه الإمام أحمد عن سريج بن النعمان وأبو داود عن زياد بن أيوب كلاهما عن هشيم به، (قال) أي: الملك مجيباً لزكريا عما استعجب منه: ((كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ))، أي: إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها، ((هَيِّنٌ)) أي: يسير سهل على الله، ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه فقال: ((وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا))، كما قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:1]، {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم:10]].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015