ذكر بعض روايات البخاري للقصة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم رواه البخاري عن قتيبة عن سفيان بن عيينة فذكر نحوه، وفيه: (فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت، حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام).

قال سفيان: وفي حديث غير عمرو قال: (وفي أصل الصخرة عين يقال لها: الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسل من المكتل، فدخل البحر، فلما استيقظ قال موسى لفتاه: (آتِنَا غَدَاءَنَا) كذا قال، وساق الحديث: ووقع عصفور على حرف السفينة، فغمس منقاره في البحر فقال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره) وذكر تمامه بنحوه].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال البخاري أيضاً: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما قد سمعته يحدث عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، فقلت: أي أبا عباس -جعلني الله فداك-! بالكوفة رجل قاص يقال له: نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل.

أما عمرو فقال لي: قال: كذب عدو الله، وأما يعلى فقال لي: قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (موسى رسول الله ذكّر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى، فأدركه رجل فقال: أي رسول الله! هل في الأرض أحد أعلم منك؟)].

قوله: (أي) حرف نداء، مثل: (يا)، والمعنى: يا رسول الله! قال الحريري في الملحة: وناد من تدع بيا أو بأيا أو همزة أو أي وإن شئت هيا قال: [(فأدركه رجل فقال: أي رسول الله! هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله، قيل: بلى، قال: أي رب! وأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب! اجعل لي عَلَماً أعلم ذلك به.

قال لي عمرو: قال: حيث يفارقك الحوت)].

العَلَم هو العلامة، كما في قوله تعالى في شأن عيسى عليه السلام: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} [الزخرف:61] وفي قراءة: (وإنه لَعَلَمٌ للساعة) أي أن نزول عيسى في آخر الزمان علامة من علامات الساعة، ومنه قول زكريا لما سأل الله الولد: {اجْعَلْ لِي آيَةً} [آل عمران:41]، أي: علامة: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران:41].

قال: [وقال لي يعلى: (خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني حيث يفارقك الحوت)].

يعني حين كلفه بهذه المهمة قال له: كن معي بحيث تكون مهمتك أن تكلمني إذا فقدت الحوت؛ لأنه جُعل لموسى علامة، لكن أنساه الشيطان حتى سارا مسافة يوم وليلة.

قال: [قال: (ما كلفت كبيراً)].

أي: ليس هو أمراً شاقاً.

فكان الحوت علامة، ويحتمل أن يكون معهما طعام آخر، لكن جاء في بعض الروايات أن الحوت طعامهما، والله أعلم.

قال: [فذلك قوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ)، يوشع بن نون -ليست عند سعيد بن جبير - قال: (فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان)].

قال في القاموس: ولبس أعرابي عريان فروة فقال: التقى الثريان، أي: شعر العانة ووبر الفروة، ويقال ذلك -أيضاً- إذا رسخ المطر في الأرض حتى التقى ونداها.

يعني: جلسا في مكان مبلول.

قال: [(إذ تضرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرب الحوت حتى دخل البحر، فأمسك الله عنه جرية الماء، حتى كأن أثره في حجر)].

والمعنى: كأن أثره في حجر مثل الصخرة.

ففيه أن موسى حين نام اضطرب الحوت ودخل في البحر ويوشع يشاهده، فقال: لا أوقظه، فلما استيقظ موسى نسي يوشع أن يخبره، حتى سارا يوماً وليلة ثم أخبره.

قال: [فقال لي عمرو (هكذا كأن أثره في حجر، وحلق بين إبهاميه والتي تليهما)].

يعني: كأنه في حجر وليس في ماء.

قال: [(قال: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)، قال: وقد قطع الله عنك النصب، -ليست هذه عند سعيد بن جبير أخبره-، فرجعا فوجدا خضراً، قال: قال عثمان بن أبي سليمان: على طنفسة خضراء على كبد البحر)].

يعني أن الخضر كان على طنفسة -أي: بساط- على ساحل البحر.

قال: [قال سعيد بن جبير: (مسجى بثوب قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه عند رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضي من سلام؟!)].

أي أن السلام لا يعرف في هذه الأرض.

قال: [(قال: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟! قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً.

قال: أما يكفيك التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك؟!)].

يعني: يكفيك التوراة التي أعطاك الله، ففيها علم عظيم، حتى إن الله تعالى كلف بني إسرائيل الذين أتوا بعد موسى كلهم أن يعملوا بالتوراة، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ} [المائدة:44]، حتى جاء عيسى فأنزل الله عليه التخفيف، فخفف بعض الأحكام وأحل لهم بعض الذي حرم عليهم، وقال: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50].

قال: [(يا موسى! إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر.

حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل الآخر عرفوه فقالوا: عبد الله الصالح -قال: فقلنا لـ سعيد بن جبير: خضر؟ قال: نعم- ما نحمله بأجر، فخرقها ووتد فيها وتداً)].

قوله: (معابر) يعني: قوارب صغيرة، وكانت تحملهم من ساحل إلى ساحل، ومن جزيرة إلى جزيرة في البحر، فلما وثبوا إليها خرقها وجعل فيها وتداً حتى لا يدخل الماء، وإنما أراد أن يجعل فيها عيباً، حتى إذا جاء الذي ينظر في السفن وجد فيها عيباً فيتركها.

قال: [(قال موسى: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا؟!) قال مجاهد: منكراً (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاًَ والثالثة عمداً: (قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ} [الكهف:73 - 74] قال يعلى: قال سعيد: وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، فقال: أقتلت نفساً زكية لم تعمل الحنث؟!)].

(الحنث) هو الإثم، والمعنى أنه لم يبلغ حداً يؤاخذ فيه عليه؛ لأنه لم يبلغ الحلم، فهو غلام غير مكلف، حتى ولو قتل؛ لأن قتل الصبي يعتبر خطأً؛ لأنه ما بلغ الحلم.

قال: [وابن عباس قرأها: زكية زاكية مسلمة، كقولك: غلاماً زكياً].

وهذه القراءة تدخل في التفسير، أعني زيادة (مسلمة)، أما (زاكية) فهي قراءة من القراءات.

قال: [{فَانطَلَقَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف:77] قال بيده هكذا -ودفع بيده- فاستقام {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77] قال يعلى: حسبت أن سعيداً قال: فمسحه بيده فاستقام {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77] قال سعيد: أجراً نأكله، وكان وراءهم ملك، وكان أمامهم، قرأها ابن عباس: أمامهم ملك، يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه -يزعمون- حيسور].

وهذا كله من أخبار بني إسرائيل، والله أعلم، ولا يترتب على معرفة اسم الملك ولا اسم الغلام شيء، ولو كان يترتب عليه شيءٌ لبينه الله.

قال: [(مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) فأردت إذا هي مرت به أن يدعها بعيبها].

يعني: يتركها ولا يأخذها، وهذا بيان من الخضر، يقول: أردت من خرقها أنهم إذا رأوا بها عيباً تركوها للمساكين.

قال: [فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها].

أي: إذا انتهى التفتيش، فقد كانوا يفتشون على المعابر، فالتي يجدون فيها عيباً يتركونها، فإذا جاوزوا أتوا بالخشب ووضعوه في مكانه وثبتوه بمسامير، وزال المحذور.

قال: [منهم من يقول: سدوها بقارورة، ومنهم من يقول: بالقار].

قال: [{فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف:80] وكان هو كافراً {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف:80] أي: يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه، {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف:81] كقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف:74]].

أي: يحملهما حبه على متابعته في الكفر، نعوذ بالله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015