تفسير قوله تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى)

قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الكهف:55 - 56].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يخبر تعالى عن تمرد الكفرة في قديم الزمان وحديثه، وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الآيات والدلالات الواضحات، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عياناً، كما قال أولئك لنبيهم {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء:187]].

وهم قوم شعيب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وآخرون {قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت:29]].

وهم قوم لوط.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقالت قريش: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32]].

وهذا من الشقاء والعياذ بالله، ولو وفقوا لقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا له واجعلنا نقبله ونرضى به ونختاره.

لكن الشقاوة غلبت عليهم -نسأل الله العافية- فقالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال:32] أي: الذي جاء به محمد {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] نعوذ بالله من الخذلان.

ومع ذلك حكم الله تعالى عليهم ولم يعاجلهم بالعقوبة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر:6 - 7]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك.

ثم قال: {إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} [الكهف:55]، من غشيانهم بالعذاب وأخذهم عن آخرهم، {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف:55].

أي: يرونه عياناً مواجهة ومقابلة.

ثم قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [الأنعام:48]، أي: قبل العذاب مبشرين من صدقهم وآمن بهم، ومنذرين لمن كذبهم وخالفهم.

ثم أخبر عن الكفار بأنهم: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحق} [غافر:5]، أي: ليضعفوا به الحق الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم.

{وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الكهف:56].

أي: اتخذوا الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب {هُزُوًا} [الكهف:56].

أي: سخروا منهم في ذلك، وهو أشد التكذيب].

أي: سخر الكفرة من الآيات ومن النذر، والذي منعهم من الإيمان هو: {أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف:55]، فتعسفوا ولم يقبلوا الحق وأنكروه، فلم يبق إلا {أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف:55]، نسأل الله العافية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015