وقد دلت الآية على أنه ينبغي أن يطاع ويصير إماماً للناس من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه فلهج بذكر الله وقدم مراضي ربه على هواه، فحفظ بذلك وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل إماماً، والصبر المذكور في هذه الآية هو: الصبر على طاعة الله الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه يتم باقي الأقسام.
وأما الغافل المعرض المشتت فهو الذي ركن إلى الدنيا، وهو الذي نهانا الله عن طاعته بقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] فيه استحباب الذكر والدعاء, والعبادة طرفي النهار؛ لأن الله مدحهم بفعلها.
والغداة والعشي طرفي النهار، فالغداة طرف، والعشي طرف وهما أول النهار وآخره وهذه الآية مثل قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130].
وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا أحبه فإنه يأمر به ويرغب فيه، وهذا من أساليب توحيد العبادة، فإذا مدح الله الشيء أو أثنى على صاحبه فقد أمر به في المعنى.
قال المؤلف رحمه الله: [وأخرجه الترمذي في صفة النار وابن جرير في تفسيره من حديث دراج أبي السمح به.
وقال ابن جريج: قال ابن عباس: {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] قال: حائط من النار.
قال ابن جرير: حدثني الحسين بن نصر والعباس بن محمد قالا: حدثنا أبو عاصم عن عبد الله بن أمية حدثني محمد بن يحيى بن يعلى عن صفوان بن يعلى عن يعلى بن أمية].
ويقال: ابن منية فينسب إلى أمه وينسب إلى أبيه فأمه منية وأبوه أمية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن يعلى بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البحر هو جهنم، قال: فقيل له: كيف ذلك؟ فتلا هذه الآية أو قرأ هذه الآية: {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] ثم قال: والله لا أدخلها أبداً، أو: ما دمت حياً لا تصيبني منها قطرة)] وهذا ليس بصحيح وهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، والبحر لا بأس بدخوله، ولا بأس بإصابة شيء منه، وقد جاء ما يدل على أن البحار تكون جزءاً من جهنم فإنها تسجر يوم القيامة وتكون من جهنم ولكنه في الدنيا ليس جزءاً من جهنم، ولا بأس في دخوله والسباحة فيه.