وجاء في تفسير الخازن عند هذه الآية أنه قال: (قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف:1] أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه بإنعامه على خلقه وعلم عباده كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي الإسلام وما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم, من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم، وخص رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكر لأن إنزال القرآن كان نعمة عليه على لخصوص وعلى سائر الناس على العموم).
فمن الفوائد التي تستنبط من قوله تعالى: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ)) أن نزول القرآن نعمة على عبده محمد على الخصوص ونعمة على العباد على العموم؛ لأن الله شرفه بإنزال هذا الكتاب عليه فهو تشريف له وهو نعمة على العباد جميعاً لأن الله أخرجهم به من الظلمات إلى النور.
قال: (وقوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف:1] أي شيئاً من العوج والعوج قط في المعاني كالعوج في الأعيان).
يعني: العوج يكون في المعاني ويكون في الأعيان التي هي الذوات، فالإنسان قد يكون عنده اعوجاج في رجليه أو في يديه فهذا عوج في الأعيان، والمعاني إذا كانت غير سليمة صارت فيها اعوجاج وإذا كانت مستقيمة لا يكون فيها اعوجاج، فالاعوجاج يكون في الذوات والأعيان ويكون في المعاني.
قال: (والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه).
أي: لا اختلاف في هذا القرآن ولا تناقض في معانيه بل هو يصدق بعضه بعضاً.
قال: (وقيل معناه لم يجعله مخلوقاً، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:28] قال غير مخلوق).
((قَيِّمًا)) أي: مستقيماً، وقال ابن عباس عدلاً، وقيل: قيماً على الكتب كلها مصدقاً لها وناسخاً لشرائعها, ((لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا)) معناه: لينذر الذين كفروا بأساً شديداً, وهو قوله سبحانه وتعالى: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف:165]، ((مِنْ لَدُنْهُ)) أي: من عنده، {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} [الكهف:2] يعني: الجنة ((مَاكِثِينَ فِيهِ)) أي: مقيمين فيه أبداً {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف:4] {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [الكهف:5] أي: بالولد وباتخاذه، يعني: أن قولهم لم يصدر عن علم بل عن جهل فقط، فإن قلت: اتخاذ الله ولداً في نفسه محال، فكيف قيل: ما لهم به من علم؟ قلت: انتفاء العلم قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه وقد يكون في نفسه محالاً لا يستقيم تعلق العلم به).
يعني هنا: إن القائلين بهذا ليس لهم علم لجهلهم أو لأن هذا الأمر لا يتعلق به العلم لاستحالته.
قال: (وقوله: ((وَلا لِآبَائِهِمْ)) [الكهف:5] أي: ولا لأسلافهم من قبل، ((كَبُرَتْ)) أي: عظمت {كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف:5] أي: هذا القول الذي يقولونه لا تحكم به عقولهم ولا فكرهم البتة، ((إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا))، ثم قال: (وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} [الكهف:6] أي: قاتل نفسك، ((عَلَى آثَارِهِمْ)) أي: من بعدهم، {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} [الكهف:6] يعني: القرآن ((أَسَفًا)) حزناً، وقيل: غيظاً {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا} [الكهف:7] أي: مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها، وقيل: يعني النبات والشجر والأنهار، وقيل: أراد بها الرجال خاصة، وقيل: أراد به العلماء والصلحاء, وقيل: جميع ما في الأرض هو زينة لها، فإن قلت: أي زينة في الحياة والعقارب والشياطين؟ قلت: زينتها كونها تدل على وحدانية الله وكمال قدرته، وقيل: إن جميع ما في الأرض ثلاثة: معدن ونبات وحيوان، وأشرف أنواع الحيوان الإنسان، قيل: الأولى ألا يدخل في هذه الزينة المكلف، بدليل قوله تعالى: ((لِنَبْلُوَهُمْ)) فمن يبلو يجب ألا يدخل في ذلك ومعنى (لنبلوهم) نختبرهم، ((أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)) أي: أصلح عملاً، وقيل: أيهم أترك للدنيا وأزهد فيها {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا} [الكهف:8] أي: من الزينة {صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف:8] يعني: مثل الأرض لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء.