إن اليهود قوم بهت والعياذ بالله، يكتمون الحق وهم يعلمون، وهذا فيه تحذير لهذه الأمة ولعلمائها على وجه الخصوص أن يكتموا الحق، فيصيبهم ما أصاب أولئك، فقص الله نبأهم، وما حصل منهم من الاستكبار والاستنكاف عن قبول الحق والبغي والحسد؛ تحذيراً لهذه الأمة من هذه الأوصاف الخبيثة الذميمة، حتى لا يصيبهم ما أصابهم.
فالواجب على كل مسلم أن يبين الحق ويظهره، ولاسيما العلماء، فيجب عليهم أن يظهروا الحق ويبينوه للناس، ولا يكتمونه، كذلك فالواجب على كل إنسان أن يقبل الحق ممن جاء به أياً كان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الحسن البصري في قوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:100] قال: نعم، ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم وينقضون غداً.
وقال السدي: لا يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة: نبذه فريق منهم، أي: نقضه فريق منهم.
وقال ابن جرير: أصل النبذ الطرح والإلقاء، ومنه سمي اللقيط منبوذاً، ومنه سمي النبيذ، وهو: التمر والزبيب إذا طرحا في الماء قال أبو الأسود الدؤلي: نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكما قلت: فالقوم ذمهم الله بنبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها، ولهذا أعقبهم ذلك التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، الذي في كتبهم نعته وصفته وأخباره، وقد أمروا فيها باتباعه ومؤازرته ونصرته، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} [الأعراف:157] الآية، وقال هاهنا: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة:101] الآية، أي: طرح طائفة منهم كتاب الله الذي بأيديهم -مما فيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم- وراء ظهورهم، أي: تركوها كأنهم لا يعلمون ما فيها، وأقبلوا على تعلم السحر وأتباعه].
قوله: (وأقبلوا على تعلم السحر وأتباعه).
لعل الصواب واتباعه، كما قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} [البقرة:102].