مناظرة عمر بن الخطاب لليهود

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(ثم قال ابن جرير وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين عمر بن الخطاب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر من قال ذلك) حدثني محمد بن المثنى حدثني ربعي بن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزل عمر الروحاء فرأى رجالاً يتبدرون أحجاراً يصلون إليها فقالك ما بال هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى هاهنا قال: فكره ذلك وقال: إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد صلاها، ثم ارتحل فتركه، ثم أنشأ يحدثهم، فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدارسهم)].

قوله: يوم مدارسهم، أي: اليوم الذي يجتمعون فيه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأعجب من التوراة كيف تصدق القرآن، ومن القرآن كيف يصدق التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب! ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك، قلت: ولم ذلك؟ قالوا: لأنك تغشانا وتأتينا، فقلت: إني آتيكم فأعجب من القرآن كيف يصدق التوراة، ومن التوراة كيف تصدق القرآن، قالوا: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به.

قال: فقلت لهم: عند ذلك نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه وما استودعكم من كتابه، هل تعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا، فقال لهم عالمهم وكبيرهم: إنه قد غلظ عليكم فأجيبوه، قالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت، قال: أما إذا نشدتنا بما نشدتنا].

يجوز ضبطها بإذا أو إذ نشدتنا، ولكن إذا أحسن فيضبط بها، بمعنى: حين أنشدتنا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإنا نعلم أنه رسول الله، قلت: ويحكم إذاً هلكتم، قالوا: إنا لم نهلك، قلت: كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ولا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة، قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل وسلمنا ميكائيل، قالوا: إن جبرائيل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو ذلك، وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة والتخفيف ونحو هذا، قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما عز وجل؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، قال: فقلت: فو الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما، وما ينبغي لجبرائيل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبرائيل، قال: ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خوخة لبني فلان، فقال: (يا ابن الخطاب! ألا أقرئك آيات نزلن قبل، فقرأ علي: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:97]، حتى قرأ الآيات، قال: قلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك، وأنا أسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر)].

منقطع، وإن كان اليهود لا شك في خبثهم، وقد تقدم ما ذكره المؤلف رحمه الله عند سبب النزول.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن مجالد أنبأنا عامر].

وعامر هو عامر الشعبي، ومجالد ضعيف، والشعبي أيضاً لم يدرك عمر، فيكون هذا أيضاً منقطع وفيه ضعف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون محمداً في كتبكم؟ قالوا: نعم، قال: فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له من الملائكة كفلاً، وإن جبرائيل كِفْل محمد، وهو الذي يأتيه وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا لو كان ميكائيل الذي يأتيه أسلمنا.

قال: فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما منزلتهما عند الله تعالى؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، قال عمر: وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبرائيل وما كان جبرائيل ليسالم عدو ميكائيل، فبينما هو عندهم إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطاب! فقام إليه عمر فأتاه، وقد أنزل الله عز وجل: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98].

وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر؛ فإنه لم يدرك زمانه.

والله أعلم].

نقول أيضاً: وفي السند الأخير مجالد، وهو ضعيف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جبير: حدثنا بشير حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود فلما انصرف رحبوا به].

لعلها فلما أبصروه؛ لأن الترحيب يكون عند الدخول لا عند الانصراف، فلما أبصروه رحبوا به.

وقوله: قال ابن جبير، لعله ابن جرير، والحديث الأول يدل على أن جبريل هو ملك الوحي، أو هو الموكل بالوحي، وهذا هو الظاهر، وربما أتى غيره، لكن المعروف أن جبريل هو ملك الوحي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فقال لهم عمر: أما والله ما جئتكم لحبكم ولا لرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم، فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبرائيل، فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمداً على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة].

يعني: جاء بالجدب والقحط.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب والسلم، فقال لهم عمر: هل تعرفون جبرائيل وتنكرون محمداً صلى الله عليه وسلم؟].

والخصب يعني: المطر والخير، وهو ضد القحط والجدب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:97] الآيات] وما جاء في بعض النسخ قال ابن جرير: حدثنا بشر، ولكن عندنا بشير، ولكن إذا جاء في مشايخ ابن جرير هذا الاسم فهو بشر بن معاوية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال: حدثنا المثنى حدثنا آدم حدثنا أبو جعفر حدثنا قتادة قال: بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يوماً فذكر نحوه، وهذا في تفسير آدم، وهو أيضاً منقطع].

وانقطاعه هنا؛ لأن قتادة رواه بلاغاً، فيكون منقطعاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك رواه أسباط عن السدي عن عمر مثل هذا أو نحوه، وهو منقطع أيضاً].

ومكان الانقطاع هو: عن السدي عن عمر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن أبن حاتم: حدثنا محمد بن عمار حدثنا عبد الرحمن يعني الدستلي].

لعله الدشتكي.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو جعفر عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن يهودياً لقي عمر بن الخطاب فقال: إن جبرائيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا، فقال عمر: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98]، قال: فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه.

ورواه عبد بن حميد عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن أبي جعفر هو الرازي].

وأبو جعفر الرازي كذلك فيه ضعف، وعبد الرحمن بن أبي ليلى في سماعه من عمر نظر، لكن مجموع هذه الآثار يشد بعضها بعضاً، فهي مع الآثار التي ذكرها المؤلف تدل على أن لهذا أصلاً، وأن سبب نزول هذه الآية هو قول اليهود قبحهم الله: إن جبريل عدو لنا، فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:97 - 98].

وميكال يقال له: ميكال وميكائيل، وكله سواء، واليهود قبحهم الله قوم بهت وخبث، وهذا من خبثهم وضلالهم، واستكبارهم عن عبادة الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو وفقوا للخير لآمنوا واتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وسلموا لله ولرسول صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثني هشيم أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى: ((مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ)) قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل ك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015