تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه)

قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة:91 - 92].

قال المصنف رحمه الله: [يقول تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ)) أي: لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب ((آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ)) على محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه واتبعوه ((قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا)) أي: يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك ((وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ)) يعني: بما بعده ((وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ)) أي: وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (الحق مصدقاً لما معهم) منصوباً على الحال، أي: في حال تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل، فالحجة قائمة عليهم بذلك، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146]، ثم قال تعالى: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:91] أي: إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها، وأنتم تعلمون صدقهم؟ قتلتموهم بغياً وعناداً واستكباراً على رسل الله، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء والآراء والتشهي، كما قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87].

وقال السدي في هذه الآية: يعيرهم الله تبارك وتعالى: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:91].

وقال أبو جعفر بن جرير: قل يا محمد! ليهود بني إسرائيل إذا قلت لهم آمنوا بما أنزل الله، قالوا نؤمن بما أنزل علينا لم تقتلون -إن كنتم مؤمنين بما أنزل الله- أنبياء الله يا معشر اليهود! وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم، بل أمركم باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم؛ وذلك من الله تكذيب لهم في قوله: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} [البقرة:91] وتعيير لهم].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015