تفسير قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)

قال المصنف رحمه الله: [وقوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [البقرة:76] الآية، قال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير وعن ابن عباس {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:76] أي: أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة، {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [البقرة:76] قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم، فأنزل الله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [البقرة:76] أي: تقرون بأنه نبي، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا به، يقول الله تعالى: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة:77].

وقال الضحاك عن ابن عباس: يعني: المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا.

وقال السدي: هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا.

وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.

حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا يدخلن عليكم قصبة المدينة إلا مؤمن) فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا: آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر].

قوله: بالبكر، يعني: أول النهار، جمع بكرة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقرأ قول الله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:72] وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون؛ ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر، فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم، فلم يكونوا يدخلون، وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون، فيقولون: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا؟ فيقولون: بلى، فإذا رجعوا إلى قومهم، يعني: الرؤساء، فقالوا: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76]، الآية.

وقال أبو العالية: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76] يعني: بما أنزل عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [البقرة:76] قال: كانوا يقولون: سيكون نبي فخلا بعضهم إلى بعض، فقالوا: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76]، قول آخر في المراد بالفتح: قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي برزة عن مجاهد في قوله تعالى: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76]، قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم، فقال: يا إخوان القردة والخنازير! ويا عبدة الطاغوت! فقالوا: من أخبر بهذا الأمر محمداً؟ ما خرج هذا القول إلا منكم)، {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76]، بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم.

قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علياً فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم].

الصواب: القاسم بن أبي بزة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال السدي: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76]، من العذاب، {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [البقرة:76]، هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76] من العذاب، ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم.

وقال عطاء الخراساني: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76] يعني: بما قضى لكم وعليكم].

والأقرب هو القول الأول، وأن معنى الفتح هو: قول اليهود للمؤمنين: أنه في كتابهم: إن الله سيبعث نبياً، وسيكون مهاجره من مكة إلى المدينة، وأنه موجود في كتابهم، ولم يكن اليهود يخبرون به المسلمين، وأنه سيبعث نبي، وأن مهاجره المدينة، وأنه أنزل في كتابهم.

قال المصنف رحمه الله: [وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم؛ ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015