تفسير قوله تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي)

قال الله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:68 - 71].

قال المصنف رحمه الله: [أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم، ولهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد.

ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا: [{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:68] أي: ما هذه البقرة وأي شيء صفتها؟ قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا هشام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنهم شددوا فشدد عليهم -إسناد صحيح- وقد رواه غير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد، وقال ابن جريج: قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم، قال ابن جريج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم، وأيم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد).

قال: {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة:68] أي: لا كبيرة هرمة، ولا صغيرة لم يلحقها الفحل، كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة، وقاله ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً، وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك يقول: نصف بين الكبير والصغيرة، وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر، وأحسن ما تكون، وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك.

وقال السدي: العوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها، وقال هشيم، عن جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في البقرة: كانت بقرة وحشية].

وهذا باطل، وليس بشيء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها، وذلك قوله تعالى: {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69]، وكذا قال مجاهد ووهب بن منبه: كانت صفراء.

وعن ابن عمر: كانت صفراء الظلف.

وعن سعيد بن جبير: كانت صفراء القرن والظلف.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس، أنبأنا أبو رجاء، عن الحسن في قوله تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69] قال: سوداء شديدة السواد، وهذا غريب، والصحيح الأول، ولهذا أكد صفرتها بأنه {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69].

وقال عطية العوفي: {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69] تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير: {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69] قال: صافية اللون.

وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه.

وقال شريك عن معمر عن ابن عمر {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69] قال: صاف.

وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة:69] شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض، وقال السدي: {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] أي: تعجب الناظرين، وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس، وقال وهب بن منبه: إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها.

وفي التوراة أنها كانت حمراء، فلعل هذا خطأ في التعريب، أو كما قال الأول: إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد، والله أعلم].

الظاهر من الآية أنها صفراء شديدة الصفرة، وأن الصفرة تسر، لكن كلام ابن جريج في تفسير الآية فيه نظر، ولا شك أن الصفرة تفرح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة:70] أي: لكثرتها، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا، وإنا إن شاء الله إذا بينتها لنا لمهتدون إليها.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن بني إسرائيل قالوا: وإنا إن شاء الله لمهتدون لما أعطوا، ولكن استثنوا).

ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من وجه آخر، عن سرور بن المغيرة، عن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن بني إسرائيل قالوا: وإنا إن شاء الله لمهتدون ما أعطوا أبداً، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم) وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله على السدي والله أعلم].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015