قال رحمه الله تعالى: [وأما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها].
في زمانهم كانت توجد مدارس، ولكن ليست على غرار المدارس الموجودة الآن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجة وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل حتى تختم].
هذا هو المعروف المشهور عن الصحابة، وهو أنهم كانوا يقرءون القرآن ثلاثاً وخمساً وسبعاً وتسعاً وإحدى عشرة وثلاث عشرة والمفصل، فالثلاث: البقرة وآل عمران والنساء، والخمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، وهكذا، فكانوا يجعلون القرآن سبعة أحزاب: الحزب الأول ثلاث سور، والثاني خمس، والثالث سبع، وبعده تسع، ثم إحدى عشرة، ثم ثلاث عشرة، فيصل الحزب السادس إلى قاف، ثم يكون الحزب السابع هو حزب المفصل من (ق) إلى آخر القرآن الكريم، فيختم المرء القرآن في سبعة أيام على هذا النحو، وهذا هو السنة، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمرو بن العاص لما بلغه أنه يصوم النهار ويقوم الليل، فقد أنكر عليه وقال له: (صم من الشهر ثلاثة أيام) وأمره أن يقرأ القرآن في كل شهر فقال عبد الله: إني أطيق أقوى من ذلك، فما زال به حتى أوصله في تلاوة القرآن إلى سبع ليال، وجاء في الحديث الآخر: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث) وهذا يدل على أنه قد يقرأ القرآن أحياناً في ثلاث، لكن الأفضل أن يكون في سبع، وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عبد الله بن عمرو: (اقرأه في سبع ولا تزد) وفي الصيام أوصاه بأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، حتى قال له: صم يوماً وأفطر يوماً، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال: (لا صام من صام الدهر)، وفي لفظ: (لا صام من صام الأبد)، وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا صام ولا أفطر)، فلا تجوز الزيادة على نصف الدهر، فالحد هو نصف الدهر، فيصوم يوماً ويفطر يوماً، وللقرآن سبعة أيام، وفي الصلاة كذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قم ونم).
وأما ما جاء عن السلف في رمضان من تلاوة القرآن في يوم واحد فإن بعض أهل العلم قال: إن هذا خاص بالأوقات الفاضلة، لكن ينبغي أن لا يكون ذلك في أقل من ثلاث؛ لحديث: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث)، وما فعله بعض السلف فهو اجتهاد منهم.
فالحاصل أن الصحابة حزبوا القرآن إلى سبعة أحزاب على تلك الطريقة، وأما جعله ثلاثين جزءاً فالظاهر أنه ليس من فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم.