بيان حقيقة النفاق

ومادام أن هذه الأسماء تعارف الناس عليها فلابد من بيان أن هذا الاسم يرجع إلى اسم الشرع؛ لأنه إذا حذر القرآن من المنافقين ولم يُعرف أن العلماني هو المنافق ظُن أنه ليس بمنافق، فلا بد من بيان أن هذا الذي وصف بالعلماني هو المنافق الذي ذكره الله في كتابه، وليربط هذا بهذا، فيقال: المنافق هو العلماني وهو الزنديق، وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام؛ لأنه إذا قيل: منافق فقط، والله تعالى حذر من المنافقين في كتابه ولم يذكر العلماني ولا الزنديق لما عرف المنافق، وبعض الناس لا يدري أن العلماني هو المنافق، ولا يدري أن الزنديق هو المنافق، فلا بد من تبيين ذلك، وإن اختلفت الأسماء فالمعنى واحد، فالعلماني هو المنافق، والمنافق هو الذي ذمه الله في كتابه، وبين أنه في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله السلامة والعافية.

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8 - 9].

قال المصنف رحمه الله: [النفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي: وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي، وهو من أكبر الذنوب، كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى].

فالنفاق العملي معاصٍ، والفرق بينه وبين النفاق الاعتقادي أن النفاق الاعتقادي يكون في القلب، والنفاق العملي يكون في العمل، مثل الكذب في الحديث، والخلف في الوعد، والخيانة في الأمانة، والفجور في الخصومة، كما في الحديث: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان).

والإعراض عن الجهاد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق).

ومن صفات المنافقين -كما جاء في الحديث- النقر في الصلاة، وتأخيرها عن وقتها، وعدم ذكر الله فيها إلا قليلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق: يرقب الشمس حتى إذا كادت تغرب بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً).

فهذه الأفعال من أوصافهم، وهذه الأفعال نفاق عملي، وهي معاصٍ، وتجر إلى النفاق الأكبر، ففي حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً؛ ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر).

قال العلماء: إن كل خصلة من هذه الخصال تعتبر بمفردها معصية، وهي من النفاق العملي، لكنها إذا استحكمت وكبرت في الشخص جرته إلى النفاق الأكبر، وحينها لا يكون هذا الشخص إلا منافقاً خالصاً، نسأل الله السلامة والعافية.

والنفاق الأكبر هو النفاق في الاعتقاد، بحيث يكون المرء مؤمناً في الظاهر، وفي الباطن يكذب الله، أو يكذب رسوله، أو يبغض الله ويبغض رسوله، ويحب ظهور الكفرة على المسلمين، أو يكره ظهور الإسلام والمسلمين، وهذا هو النفاق الاعتقادي، نعوذ بالله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015