بيان معنى قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3]، قال: زكاة أموالهم.

وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، قال: نفقة الرجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزكاة.

وقال جويبر عن الضحاك: كانت النفقات قرباناً يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات سبع آيات في سورة براءة مما يذكر فيهن الصدقات هن الناسخات المثبتات، وقال قتادة: ((وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) فأنفقوا مما أعطاكم الله، هذه الأموال عوارٌ وودائع عندك يا ابن آدم يوشك أن تفارقها].

قوله: [عوارٍ]: جمع عارية، وأصله: عواري، ثم حذفت الياء، أي: أمانة في يدك وعارية لابد من أن تردها، وأنت مؤتمن على هذه الأموال لتؤدي حق الله منها، فتؤدي الزكاة، وتؤدي النفقات الواجبة، وكذلك مؤتمن على كسب هذه الأموال، فهل كسبتها من حلال أم من حرام أم من متشابه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات، فإنه قال: وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين].

وهذا هو الصواب، كما قال ابن جرير، أي أن الآية شاملة في الزكاة وفي الصدقات، كصدقة التطوع، فهم ينفقون مما رزقهم الله من الزكاة فيؤدونها، ويؤدون النفقات الواجبة الشرعية، ويتصدقون أيضاً وينفقون في الأمور الخيرية.

قال رحمه الله تعالى: [فإنه قال: وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين، زكاة كانت ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل أو عيال وغيرهم ممن يجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك؛ لأن الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك، وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه.

قلت: كثيراً ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال، فإن الصلاة حق الله وعبادته، وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه ودعائه والتوكل عليه، والإنفاق هو من الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ثم الأجانب، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3].

ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت).

والأحاديث في هذا كثيرة].

والله سبحانه وتعالى كثيراً ما يقرن بين الصلاة والزكاة، وبين الصلاة والنفقة؛ لأن الصلاة فيها إحسان في عبادة الخالق، والزكاة والنفقة فيها إحسان إلى المخلوق.

فالمؤمن يجمع بين الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فلهذا مدحهم الله بذلك وجمع بين الصلاة والزكاة، وذكر وصفهم أنهم يجمعون بين الأمرين: بين الإحسان في عبادة الخالق والإحسان إلى المخلوق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015