وخامسها: أفعال الأعضاء من أن يدي الإنسان يبطش بهما، ويتناول بهما الأشياء. ولا كذلك وأنف الفيل يقوم له مقام اليدين من الإنسان في تناول ما يتناوله.
وسادسها: انفعالات الأعضاء. فإن عين الخفاش تنفعل جداً عن الضوء الشديد والحرباء بالضد من ذلك. وقد خلق الإنسان صناعي المأكل والملبس فاقد السلاح، فكرى الصنائع، وإنما خلق كذلك ليكون كثير الفكر فيتهيأ له لأجل كثرة فكره بكثرة الارتياض أن يتوصل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة مخلوقاته. ولا كذلك غير الإنسان، فلذلك جعل ذلك كله لغير الإنسان بالطبع.
والأعضاء العالية تكون أولاً في الإنسان عظيمة، ثم تعظم أسافله، فتتشابه أجزاؤه وتنحني أعاليه عند الكبر، والأعضاء المتيامنة في جميع الحيوانات شبيهة جداً للمتياسرة.
وأما الأعضاء العالية فتشبه السافلة شبهاً أقل كاليدين ربما في الإنسان للرجلين. وأما الأعضاء الخلفية، والقدامية فالشبه فيها أقل.
والله ولي التوفيق
البحث الثاني
فوائد علم التشريح
انتفاع الطبيب بهذا العلم بعضه في العلم، وبعضه في العمل، وبعضه في الاستدلال.
وأما انتفاعه في العلم والنظر، فذلك لأجل تكميله معرفة بدن الإنسان، ليكون بحثه عن أحواله وعوارضه سهلاً.
وأما انتفاع بالعمل فمن وجوه: أحدها أنه يعرف به مواضع الأعضاء فيتمكن بذلك من وضع الأضمده ونحوها حيث يسهل نفوذ قواها إلى الأعضاء المتضررة.
وثانيها: أنه يعرف به مبادئ شعب الأعضاء ونحوها، ومواضع تلك المبادئ فيتمكن من عرض لها خروج عن ذلك بخلع أو نحوه.
ورابعها: أنه يعرف به أوضاع الأعضاء بعضها من بعض فلا يحدث عند البط ونحوه قطع شريان، أو عصب، ونحو ذلك.
وكذلك لا يقطع ليف بعض العضلات في البط ونحوه. وذلك لأجل تعرفه مذاهب ألياف العضل.
وأما انتفاع الطبيب بهذا الفن في الاستدلال، فذلك قد يكون لأجل سابق النظر، وقد يكون لغير ذلك.
أما الأول: فكما إذا احتاج الطبيب إلى قطع عضو، فإنه إن كان عالماً بالتشريح تمكن حينئذ من معرفة ما يلزم ذلك القطع من الضرر الواقع في أفعال الشخص فينذر بذلك. فلا يكون عليه بعد وقوع ذلك الضرر لائمة.
وأما الثاني: فكما إذ كان يستدل به على أحوال الأمراض.
أما أمراض الأعضاء الظاهرة، فكما يستدل على أن ابتداء الرمد هو من السمة وذلك إذا شاهد الانتفاخ يبتدئ أولاً من الجفن.
وأما أمراض الأعضاء الباطنة، فإن الطبيب ينتفع به في الاستدلال عليها سواء كان ذلك الاستدلال من جواهر الأعضاء أو من أعراضها، أو منهما جميعاً.
أما الاستدلال من جوهر الأعضاء فإما أن يكون مما يبرز من البدن أو لا يكون كذلك.
والثاني: كما يستدل حين الآفة في هضم المعدة على أن الآفة في طبقاتها الخارجة، وأسافلها، وحين هي في الشهوة على أن الآفة في أعلى طبقتها الداخلة، وذلك لأن خارج المعدة وأسافلها لحمى، وهضمها باللحم وأعلى باطنها عصبي، والحس بالعصب.
والأول إما أن يكون بروز ذلك البارز من مخرج طبيعي أو لا يكون كذلك.
والثاني: كما يستدل بالقشور الخارجة مع القيء على قروح في المعدة أو المريء.
والأول: إما أن يكون ذلك المخرج هو مخرج الثفل كما يستدل بالقطع اللحمية الخارجة في اختلاف الدم على أنها أجزاء من الكبد أو هو مخرج البول، وذلك كما يستدل بالقشور النخالية الخارجة مع وجع المثانة على حرث فيها.
وأما الاستدلال من أعراض الأعضاء، فإما أن يكون بالأعراض التي هي للأعضاء في نفسها، أو التي لها بالقياس إلى غيرها أو بهما معاً.
أما الاستدلال بالأعراض التي هي للأعضاء في أنفسها، فكما يستدل بشكل العضو أو بلونه أو بمقداره. وأما بشكله فكما يستدل على أن الورم الذي يكون تحت الشراسيف اليمنى كبدي، بأنه معترض كرى الشكل أو هلالي وعلى أنه في العضلة التي فوقها بأنه متطاول أو معترض أو مؤرب وأما أن يكون بلون العضو فكما يستدل على أن الرمل الخارج ليس من المثانة بأنه أحمر، وعلى أنه ليس بأحمر، وذلك لأن تولد كل عضو إنما يكون من فضل غذائه، فيكون شبيهاً بلونه، وأما غلظ العضو، فكما يستدل على أن القشرة الخارجة مع البراز من الأمعاء الغلاظ بأنها كبيرة غليظة، وعلى أنها من الأمعاء الدقاق، بأنها صغيرة رقيقة.