والجواب: أما الإشكال الأول فإن الجنين يحتاج أن يكون غذاؤه كثير المائية أعني الدم الذي يأتي إليه لتغذيته يحتاج أن تكون مائيته كثيرة خاصة في أو ل الأمر وذلك لأن هذا الدم إذا تعدى عروق الأم يحتاج أو لاً أن ينفذ في الخيوط التي ذكرنا أنها تحدث من تشبث بعض أجزاء المني بالتقويم ابتداؤها وانعطافاتها على الغشاء الأول الذي تحتها وهو الغشاء الداخل من المشيمة وإنما يمكن نفوذه في هذه إذا كان قوامه شديد الرقة جداً، وكان مع ذلك قوي النفوذ وذلك لأجل دفع الهواء النافذ معه له، وإذا نفذ في هذه وأحدث فيها تجويف فلا بد من نفوذه بعد ذلك إلى داخل المني حتى يصل إلى كبد الجنين. ثم بعد ذلك ينفذ في جوهر المني نفوذاً في مواضع كثيرة جداً متفرقة ومن مواضع كثيرة ونفوذ ذلك لا بد من أن يحدث ثقوباً وتلك الثقوب يحدث منها الأوردة وكذلك تحدث الشرايين للجنين من نفوذ الروح والنسيم في أجزاء بدنه وإحداثها الثقوب فيها فتصير الشرايين من تلك الثقوب وإذاً الدم النافذ إلى بدن الجنين يحتاج في تغذيته إلى ذلك فلا بد من أن يكون قوامه شديد الرقة جداً وإنما يكون الدم كذلك لأمرين: إما مخالطة كثير من الصفراء وذلك يمنعه من التغذية خاصة للجنين الذي جوهره كثير الرطوبة وإما مخالطة كثيرة من المائية فلذلك يحتاج أن يكون هذا الدم كثير المائية جداً فلذلك في غالب الأمر يفضل من تلك المائية قدر كثير ويحتاج إلى إخراجه لئلا يفسد الغذاء وجوهر الجنين وليس يسهل خروج جميعه بالعرق فإن العرق إنما يكون من المائية المصاحبة للدم إلى ظاهر البدن، وقد يكون بقاء تلك المائية في ذلك الدم إلى ذلك الموضع مما يفسد الدم ويفسد جوهر الجنين ولأن نفوذها إلى هناك إنما يتم بسعة كثرة من المجاري فهي في أو ل الأمر لا تتحمل ذلك فلذلك تحتاج هذه المائية الزائدة أن يندفع عن الجنين قبل وصولها إلى ظاهر أعضائه وإنما يمكن أن يكون ذلك بأن يندفع من منفذ ما إلى خارج وهذا المنفذ لا يمكن أن يكون من جهة المثانة والقضيب لأن قضيب الجنين ليس يمكن أن يكون له من الطول ما يصل به المائية إلى مكان بعيد حتى يتعدى جميع بدنه فلذلك تحتاج أكثر هذه المائية الزائدة أن تندفع من منفذ آخر وليس في الجنين منفذ إلى خارج سوى منفذ السرة فلذلك يجب أن يكون اندفاع أكثر المائية الزائدة هو من السرة وباقي تلك المائية يندفع من جهة العرق. وأما الإشكال الثاني فإنه يجوز أن يكون العرق إنما يكثر في بدن الجنين قبل استحكام المجاري التي يخرج منها فإذا استحكمت تلك المجاري وكثر ما يخرج فيها من البول قل لذلك العرق جداً حتى لا يكون المتولد منه بعد ذلك له قدر يخشى من ملاقاته للجنين فإذا كان كذلك ففي الشهر الثالث يكون العرق قد كثر جداً وملأ الفضاء الذي بين الغشاء والجنين الذي فيه البول وحينئذٍ ولا بد من أن يترسب منه أجزاء خلطية قد اندفعت منه فإنه بعيد أن يكون الخارج بالعرق حينئذٍ ماء صرفاً وتلك الأجزاء الخلطية إذا رسبت إلى جهة ظاهر الجنين عرض لها هناك انعقاد بقوة الحرارة ويلزم ذلك تولد الغشاء منها، وحينئذٍ يكون ذلك الغشاء موقياً لبشرة الجنين عند ذلك العرق القديم. وأما ما يحدث بعد ذلك من العرق فإنه يكون قليلاً جداً لأجل اندفاع المائية الزائدة حينئذٍ بالبول فلا يبقى منها ما يكثر له العرق، وإذا كان ذلك العرق قليلاً جداً لم يجتمع منه ما يؤذي بشرة الجنين لأن حرارة داخل الرحم تحلله أو لاً فأولاً فلا يجتمع منه قدر كثير فلذلك يكون هذا الغشاء نافعاً في توقية الجنين من حدة العرق الكثير مع أن الغشاء المتقدم لا يفي بذلك لأن نفوذ العرق في مسام الغشاء يمكن وإلا نفذ فيها البول وكانت ملاقاته للبشرة أشد إضراراً من ملاقاة العرق لها.

قوله: وهو أقها ليكون مجمع الرطوبة الراشحة. رقة هذا الغشاء لا ليكون يجمع هذه الرطوبة بل لأن هذه الرطوبة قليلة فلا يكون لها تمديد قوي يحس منه انفتاق الغشاء الحاوي لها فلذلك هذا الغشاء أرق أغشية الجنين وأغلظها الغشاء المشيمي وهو ذو طبقتين تحللها العروق المتلففة بينهما وأما الغشاء الآخر فهو كالمتوسط بين هذين لأنه يحتاج إلى الغلط ليقوى على مقاومته تمديد البول بكثرته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015