وقد قلتم: إن ذلك لا يمكن أو لاً توافقهما في ذلك فيبقى بين جانبي هذا البطن وذينك الجسمين فرجة بقدر تحركهما إلى التقارب فبقي هذا البطن مفتوحاً هناك، فيلزم ذلك أن يكون هذا البطن دائماً مفتوحاً لكن تارة يكون هذا المفتوح منه ما بين ذينك الجسمين وذلك إذا كانا متباعدين وتارة ما بين جوانبه وجوانب ذينك الجسمين، وذلك إذا كانا متقاربين وحينئذٍ يكون انسداد هذا البطن محالاً، قلنا ليس الأمر كذلك وذلك لأن هذين الجسمين ملتصقان بالغشاء المشيمي المغشي لداخل هذا البطن، فإذا تقاربا لزم ذلك انجذاب ذلك الغشاء إليهما، فانسد ما بينهما وبين جانبي الدماغ بذلك الغشاء لا بجرم الدماغ.
قوله: بأربطة تسمى وترات، هذه في الحقيقة ليست بأربطة ولا وترات أما أنها ليست بأربطة فلأنها غير متصلة بعظم. وأنها ليست بوترات فلأنها ليست مؤلفة من عصب ورباط، ولكنها تسمى أربطة بالاصطلاح العام لأنها تربط شيئاً بشيء وتسمى وترات لأنها تشبه الأوتار في أنها تجذب الأعضاء المتصلة بها فتحركها تحريكاً إرادياً فإن انفتاح هذا البطن وانسداده قد بينا أنه لا يمكن أن تكون إلا بالإرادة.
وقوله: تمدد وضاق عرضها ضغطت هاتين الزائدتين إلى الاجتماع فيسند المجرى. وإذا تقلصت إلى القصر وازدادت عرضاً تباعدت إلى الافتراق فانفتح المجرى فإن زيادة عرض ذلك الجرم يلزمها تضيق هذا البطن فلا يكون الانفتاح تاماً وكذلك ضيق عرض ذلك الجرم يلزمه أن لا يكون انسداد هذا البطن تاماً وكذلك لا لأمر يضطر إليه، وكذلك يمكن أن تتباعد أجزاؤه عند التمدد من غير نقصان في الثخن وذلك لأن مقادير تلك الأجزاء لا تتغير في حالتي التمدد والتقلص لكنها تتقارب عند التقلص وتتباعد عند التمدد، وحركة الجسم الدودي حركة إرادية كما ذكرناه لما ذكرناه أو لاً.
وأما حركة الجسمين الآخرين إلى الالتقاء، فذلك بما تجذب الأوتار المتصلة بهما وبالجرم الدودي عند تمدده، وأما حركتها إلى الانفراج فذلك بمقتضى طبيعتهما ليعودا إلى وضعيهما الطبيعي لهما وبجذب الغشاء المغشي لهما ليعود إلى ملاقاة جرم الدماغ وأما حكمة هذه الأجرام، وكونها على الهيئة المخصوصة فذلك مما نذكره في كتابنا الكبير الذي نعمله في هذه الصناعة. والله ولي التوفيق.
البحث التاسع
فضول الدماغ
من قوله: ولدفع فضول الدماغ ... إلى آخر الفصل.
الشرح يحيط بالدماغ عظام القحف وهي صلبة لا تسمح بنفوذ الفضول من خلالها إلا ما يمكن أن يمر في سنون القحف وهذه لا تكفي لتحلل فضول الدماغ الكثيرة ولذلك يعسر تحلل ما يتحلل منها بخلاف الأعضاء التي تحيط بها مثل اللحم ونحوه. فإن فضولها تجد سبيلاً إلى النفوذ في ذلك المحيط فتكون تلك الأعضاء نقية من الفضول ولا كذلك الدماغ ومع كثرة فضول الدماغ فإن الحاجة إلى كثرة بقائه تشتد وذلك لأن ما يحتبس فيه من فضول مع أنه يحدث له سوء المزاج والسدد في مجاريه ونحوها فإنه يكدر أرواحه ويغلظها، ويفسد أمزجتها، فلذلك اضطر إلى أن يكون له طرق ينتقي منها فضوله. وهذه الطرق منها ما منفعتها تنقية الدماغ من الفضول فقط فتكون مخلوقة لذلك فقط.
وهذه كالمجاري المذكورة في الكتاب. ومنها ما هي مخلوقة مع ذلك لمنفعة أخرى إما للإحساس بشيء كالعين، وإنها تنتفع بها في إدراك المبصرات، وينتفع بها أيضاً في تحلل بعض فضول الدماغ بها بالدموع ونحوها، وكذلك الأذن ينتفع بها في إدراك المسموعات، وفي تنقية الدماغ من المادة الحادة الصفراوية التي تندفع إليها فيكون منها وسخ الأذن، وكذلك الأنف ينتفع به في إدراك الرائحة وفي إخراج الفضول المخاطية التي تتولد في الدماغ.