البحث الثالث الأجزاء التي ينقسم إليها الدماغ

قوله: وأيضاً ليخف بتخلخله أما أن الأعضاء الصلبة أثقل من اللينة فظاهر لأن هذه الصلابة إنما تكون لزيادة في الأرضية وهي يلزمها زيادة الثقل وإنما قلنا أن زيادة صلابة الأعضاء إنما يكون لزيادة الأرضية مع أن الصلابة قد تفعلها قوة الانعقاد، وذلك لأن الحرارة العاقدة للأعضاء كلها واحدة وهي الحرارة الغريزية. وإذا كان الفاعل واحداً فإنما يزيد صلابة بعض الأعضاء على بعض إذا كان الاستعداد للصلابة فيها مختلفاً، وإنما يكون ذلك بسبب الأرضية فلذلك زيادة صلابة الأعضاء إنما تكون لزيادة الأرضية، ويلزم ذلك أن يكون الثقل زائداً، وأما أن الرطوبة يلزمها التخلخل فذلك إنما يكون إذا أريد بهذا التخلخل السخافة، فإن رطوبة العضو يلزمها سخافة جرمه، ولذلك كان لحم الإناث أسخف.

قوله: وذلك لأن الجزء المقدم منه ألين، والجزء المؤخر أصلب. جميع الأعضاء التي في مقدم البدن ألين من التي في مؤخره، وذلك لأن الأعضاء التي في مؤخر البدن غائبة عن حراسة الحواس فيحتاج أن يكون قبولها للانفعال عن المصادمات ونحوها أقل وغنما يمكن ذلك إذا كان قوامها أصلب والله ولي التوفيق.

البحث الثالث

الأجزاء التي ينقسم إليها الدماغ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وفرق ما بين الجزأين باندراج الحجاب الصلب ... إلى قوله: فجعل الطي دعامة لها.

الشرح الدماغ يعرض له الانقسام بأمرين وكلاهما بأن يكون ما ينقسم إليه الأجزاء لكن الأشياء التي ينقسم إليها بأحد الأمرين، يخص باسم الأجزاء، والأشياء التي ينقسم غليها بالأمر الآخر يخص باسم البطون، والأشياء التي يخص باسم الأجزاء ليس بعضها بأن يكون أعظم من الآخر أولى من العكس. فلذلك يجب في هذه الأجزاء أن تكون متساوية أعني إنها تكون متساوية في القطر الذي انقسمت فيه فلذلك انقسم الدماغ إلى جزأين: أحدهما يميناً، والآخر شمالاً هما لا محالة متساويان في جميع الأقطار وذلك لأن هذه القسمة إنما كانت ليقوم أحد الجزأين بالأفعال الواجبة في الحياة عند فساد الجزء الآخر وإنما يكون ذلك إذا كان أحد الجزأين مساوياً للآخر في جميع الأقطار حتى يكون أحدهما مثل الآخر حتى تكون جميع أفعاله مثل جميع أفعال الآخر.

وأما انقسام الدماغ إلى جزأين: أحدهما مقدم، والآخر مؤخر، فيجب أن يكون هذان الجزآن متساويين في الطول إذ ليس أحدهما بأن يكون أطول من الآخر أولى من العكس، وأما في العرض والسمك فيجب أن يكونا مختلفين جداً، لأن مقدم الدماغ أكثر عرضاً وسمكاً من مؤخره، فلذلك يكون الجزء المؤخر من هذين أدق من الجزء المقدم.

وأما الأشياء التي يخص البطون مما ينقسم الدماغ إليه فإنها يجب فيها أن تكون مقاديرها مختلفة بحسب الأغراض المقصودة منها. فالبطن المقدم لما كان محلاً للصور المحسوسة بالحواس الظاهرة والمحسوسة بالبصر منها هي لا محالة مثل المحسوسات الخارجية، وتلك المثل إنما يتصور فيما له مساحة فلذلك يجب أن يكون هذا البطن عظيماً جداً حتى يمكن أن يتسع لمثل كثرة الأمور الخارجة. وأما البطن المؤخر فإنه لما كان محلاً لمعاني الصور المحسوسة وتلك المعاني هي لا محالة مما لا مساحة لها، فلذلك لا يضر فيها صغر المكان، ولا يحتاج الكثير منها إلى محل كبير، فلذلك جعل البطن المؤخر من بطون الدماغ صغيراً جداً بالقياس إلى البطن المقدم بل هو أصغر كثيراً من كل واحد من جزأيه اللذين أحدهما في اليمين والآخر في الشمال، فأما البطن الوسط فإنه لما كان كالدهليز الذي يحتاج إليه القوة التي في مؤخر الدماغ لأن يشرف منه على جميع ما في البطن المقدم من الصور على ما تعرفه بعد، وجب أن يكون في مقداره على المقدار الذي لا بد منه في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015