وينبغي أن يكون نزول هذا الشريان إلى أسفل من أقرب الطرق وأحرزها والطريق الأقرب هي المستقيمة، وأحرز الطرق أن تكون قدام عظام الصلب ملاقياً لها، وإنما كانت هذه الطريق أحرز، لأنه يكون فيها من خلف محروزاً بعظام الصلب. وأما من قدام، فإن أعلاه يكون محروزاً بعظام القص، وأسفله محروزاً بالأحشاء الموضوعة أمامه.

وأما من الجانبين فإن أعلاه يكون محروزاً بالأضلاع، وأسفله محروزاً بالأحشاء التي في جانبيه.

وإنما احتيج أن يكون المحرز له من خلف أكبر وأعظم وهو عظام الصلب لأنه من خلف غائب عن حراسة الحس، وإنما لم يجعل أسفله محروزاً بعظام من قدامه وجانبيه كما في أعلاه لأن ذلك غير ممكن إذ لو فعل في أسا فل تنور البدن، عظام من قدامه وجانبيه لتعذر مع ذلك انحناء البدن وانعطافه إلى جهة من الجهات، وكان ذلك مانعاً من الأعمال الإنسانية ونحوها.

فلذلك تعذر أن يكون أسفله محروزاً من قدامه، وجانبيه بعظام كما في أعلاه، وأما في أعلاه، فإن ذلك ممكن لأنه لا يعاوق عن الأعمال الإنسانية ونحوها. ولما كان القلب موضع مخرج هذا الشريان منه غير ملاق لعظام الصلب احتاج هذا الشريان في نفوذه إلى ملاقاة تلك العظام التي توجه إليها. وينبغي أن يكون ذلك على الاستقامة لئلا تطول المسافة التي هو فيها غير متكئ على عظام، وموضع انفصال هذا الشريان من الشريان الآخر الصاعد إلى محاذاة الفقرة الخامسة من فقار الظهر، فلذلك يجب أن يكون نفوذ هذا الشريان في توجهه إلى عظام الصلب، وهو إلى هذه الفقرة.

وعند نفوذه إليها يحتاج أن ينعطف لينزل إلى أسفل فلذلك يحدث له هناك زاوية، وملاقاة تلك الزاوية لعظام الصلب مضر لا محالة لهذا الشريان، فلذلك خلقت هناك غدّة تسمى التوتة. لتكون بهذا لشريان وطئاً، وهناك يرتبط لا محالة بعظام الصلب، ويمتد عليها إلى حيث يمكنه النفوذ إلى الرجلين على الاستقامة، وذلك عند فقرات العجز فلذلك هذا الشريان يمتد على عظام الصلب من الفقرة الخامسة من فقرات الظهر إلى فقرات العجز. ولما كان النخاع جزءاً من الدماغ وجب أن تكون حاجته إلى كثرة الأرواح الحيولية قريبة من حاجة الدماغ فلذلك احتيج أن ينفذ إليه شعب كثيرة من هذا لشريان إلى النخاع شعب من كل فقرة يمر عليها. ولذلك ترسل شعباً أخر إلى الأعضاء التي يمر على محاذاتها على ما هو مذكور في الكتاب.

قوله: ثم من بعد ذلك تنفصل منه ثلاثة شرايين: الصغير منها يختص الكلية اليسرى. السبب في اختصاص هذه الكلية بذلك أنها في الجانب الأيسر، وبقرب الطحال، فلو لم يختص بهذه الشعب تسخنها لكانت تبرد، فتخالف كثيراً لمزاج الكلية اليمنى.

قوله: والآخران يصيران إلى الكليتين لتجذب الكلية منهما مائية الدم فإنهما كثيراً ما يجتذبان من المعدة والأمعاء دماً غير نقي، لا شك أن هذين الشريانين، مع أنهما يفيدان الكليتين الحياة والحرارة، فإنهما ينتفع بهما في الكليتين لأنهما يجتذبان منهما مائية كثيرة فتنقى بسبب ذلك ما في الشرايين من الدم عن تلك المائية وأما سبب هذه المائية التي تحتاج إلى اجتذاب الكليتين لها فليس ما قاله. فإن الشرايين ليس من شأنها اجتذاب الدم المائي، بل سبب ذلك أن الدم الذي يصل إلى القلب لا بد من أن يكون كثير المائية. ولذلك سبب فاعلي، وسبب غائي.

أما السبب الفاعلي: فهو أن الدم الذي يأتي القلب إنما يأتيه من الوريد الصاعد. ودم هذا الوريد لا يخلو من مائية كثيرة خاصة عند قرب الكبد، وذلك لأن هذا الوريد يتصل به ما يصفي الدم من المائية كما في الوريد النازل على ما تعرفه بعد.

وأما السبب الغائي: فهو أن القلب يحتاج إلى أن يتصعد منه أجزاء كثيرة من الدم وينفذ إلى الرئة فيخالط الهواء، ويحدث من ذلك جرم مستعد لأن يصير في القلب روحاً وتصعد هذه الأجزاء يكون بالتبخر، وكثرة المائية في الدم مهيئة لذلك التبخير فإن الأجسام الأرضية يقل تصعدها بالحرارة ومخالطة المائية للأرضية تهيئها لذلك فلذلك احتيج أن يكون الدم الواصل إلى القلب كثير المائية، وجرم القلب كثير الأرضية فلا بد من أن يكون اغتذاؤه بما يناسبه من ذلك الدم، فلذلك تكثر المائية في الدم الذي يتصعد منه إلى الرئة لأجل انصراف الأرضية إلى غذاء القلب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015