المؤلف رحمه الله بدأنا بهذه الصورة، وهي مروية عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في ذات الرقاع.
ففي تلك الصلاة في ذات الرقاع أن طائفة صفت معه -صلى الله عليه وسلم-، وطائفة صفت تجاه العدو.
وصلاة الخوف تدور بين أمرين: استقبال القبلة، والحذر من العدو.
وفي هذه الصورة العدو ليس في جهة القبلة، فصفت طائفة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وصفت الطائفة الأخرى تجاه العدو، فهذا هو التقسيم الأول، فطائفة خلف الرسول إلى القبلة، وطائفة وجاه العدو.
قال: [فصلى بالذين معه ركعة] كبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكبر الجميع، الذين خلفه والذين تجاه العدو، فأصبحت الطائفتان في صلاة، مع اختلاف الموقف، فهذه خلف الإمام مستقبلة القبلة، وهذه تجاه العدو، والكل كبر للصلاة.
ثم قرأ، وركع فركعت الطائفة التي خلفه معه، ورفع فرفعوا، ثم سجد فسجدوا، والطائفة الأخرى قائمة تجاه العدو.
قال: (ثم ثبت قائماً) .
أي: ثم قام وثبت قائماً.
فالذين صفوا خلفه صلوا معه ركعة كاملة، فقام للركعة الثانية، واستوت الطائفتان قائمتين، هذه صلت ركعة، وتلك لم تصل شئياً.
قال: (وأتموا لأنفسهم) .
أي: هذه الطائفة التي خلف الإمام لما قام الإمام للثانية صلوا لأنفسهم، فركعوا ورفعوا وسجدوا سجدتين، فالطائفة التي صفت خلف الإمام صلت ركعتين، ولكن ركعة اقتدت فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وركعة صلتها لنفسها.
قال: (ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو) .
أي: هؤلاء ذهبوا إلى العدو، وهؤلاء رجعوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
فالطائفة التي كانت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلت ركعتين ركعة مقتدية فيها وركعة لنفسها ذهبت تجاه العدو.
قال: (وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت) .
أي: الطائفة الأخرى التي كانت تجاه العدو، جاءت وصفت خلف النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: فصلى بهم الركعة التي بقيت.
أي: فصلى بهم الركعة الثانية، ركع فركعوا، ورفع فرفعوا، وسجد فسجدوا.
فصلى النبي عليه الصلاة والسلام ركعتين، وصلت الطائفة الأولى ركعتين، وصلت الطائفة الثانية ركعة واحدة، فالطائفة الأولى حينما صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلت ركعة واحدة مقتدية، وأتمت لنفسها، وهذه الطائفة التي جاءت صلت أيضاً ركعة واحدة اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، فلما انتهى من السجدتين جلس للتشهد، فقامت هذه الطائفة التي كانت وجاه العدو وصلت خلفه ركعة، ثم قامت وأتمت لنفسها، كما فعلت الطائفة الأولى، فاقتدت به ركعة، وأتمت لنفسها ركعة.
وحينما أتمت الطائفة الثانية لنفسها الركعة الثانية يكون الجميع قد صلوا ركعتين، فهذا يعني أن الجميع أكمل صلاته، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم، وكل سلم في مكانه، وما طائفة فازت على طائفة بشيء، فكل طائفة من الطائفتين اقتدت برسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعة، وأتمت لنفسها الركعة الثانية، ولما سلم كان الجميع قد أتم صلاته، فسلموا جميعاً معه.
الصورة الثانية: إذا كان العدو تجاه القبلة، فيكبر الجميع، ثم يركع ويركع الجميع، ثم يسجد ويسجد الصف الأول فقط، ويبقى الصف الثاني في الحراسة، وعندما يقوم الصف الأول يسجد الصف الثاني السجدتين، والصف الأول يحرسه ويتقدم الصف الثاني المتأخر، ويتأخر الصف الأول المتقدم، ثم يقومون إلى الركعة الثانية فيركع الإمام ويركع الجميع، ويسجد الإمام فيسجد الصف المتقدم، ويجلس الإمام والصف المتقدم للتشهد ويطيل فيه، ويتم الصف المتأخر ما عليه -السجدتين- ويلحقون الإمام والصف الأول في التشهد، ثم يتشهدون معهم، ويسلم الإمام ويسلمون جميعاً، وهذه الصورة ستأتي في حديث جابر الآتي.
ونستطيع أن نقول: إن هاتين الصورتين هما الأساس، وقد وضحتا ولله الحمد.
وهناك صور أخرى سيمر عليها المؤلف، لكن -كما يقال- قد تتداخل مع هاتين الصورتين، وقد تنفرد.
لذلك نمشي مع المؤلف خطوة خطوة، وحديثاً حديثاً؛ لأن هناك صوراً متقاربة جداً، فما بين أن يتموا لأنفسهم في مكانهم خلف الإمام، وبين أن يذهبوا ويتموا لأنفسهم في أماكنهم.