ويبحث العلماء في قوله: (رخص في الجمعة) ، فإذا جاء وقت الجمعة ولا جمعة فهل يصلون ظهراً أو أن الجمعة هي فرض اليوم وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها؟ فمنهم من يقول: لما رخص في الجمة سقطت وسقط فرض الظهر في ذلك اليوم؛ لأن الجمعة هي فرض يوم الجمعة، ويكون الظهر لمن لم يدرك الجمعة، أو كان من أهل الأعذار كالمريض والنساء والعبيد والصبيان والمسافر، فإذا سقطت الجمعة عن أهل الأعذار لأعذارهم صلوا ظهراً، وهولاء رخص لهم في تركها.
فمن نظر إلى أصل الرخصة قال: رخص لهم وبقي الأصل، فيصلون الظهر، واستدلوا بما فعل أصحاب ابن الزبير، فإنهم صلوا وحداناً، وقالوا: كيف يترك -وهو إمام وصاحب بيعة- المجيئ إليهم؟ فقالوا: لعله صلى الظهر في بيته.
ولما لم يخرج إليهم وصلى الظهر جماعة يكون قد سن ظهراً يوم الجمعة، وهذا ممنوع.
وهل الرخصة في ترك الجمعة يوم العيد لمن كان من الضواحي كأهل العالية كما فعل عثمان، أو أنه على عمومه ويترك الجميع حتى الإمام كما فعل ابن الزبير؟ فهناك من يقول: يرخص لعامة الناس، ما عدا من يحضر مع الإمام لإقامة شعار الجمعة، وهناك من يقول: إنما يكون الترخيص لمن كان بمثابة أهل العالية، وهناك من يقول: رخص ولكن نصوص الجمعة الواجبة والتحذير منها تعارض هذا الترخيص، فعلى الناس أن يصلوا عيداً وجمعة، كما قال الشافعي رحمه الله.
والراجع أن الترخيص في ترك الجمعة لمن كان يتكلف المجيئ إلى الجمعة كتكلفه المجيئ إلى العيد، أما من لم يتكلف ذلك، فالله تعالى أعلم.
فالتعارض قائم، والأحوط المجيء، ولكن الذي عليه الجمهور أن على الإمام أن يصلي الجمعة حضر معه من حضر، ومن لم يأتِ الجمعة وقد حضر العيد فلا يعنف، ولا يقال له: لم تركت؟ فله من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرج، والله تعالى أعلم.
[ثم قال: (من شاء أن يصلي فليصل) ] .
قوله: (من شاء) ، أي: من شاء أن يصلي الجمعة، فالتخيير قائم مع وجود الرخصة، فمن شاء استعمل الرخصة، ومن شاء تركها ورجع إلى الأصل، وهذا هو أرجح الأقوال.