قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة أو غيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته) رواه النسائي وابن ماجة والدارقطني واللفظ له، وإسناده صحيح، لكن قوى أبو حاتم الإرسال] .
هذا الحديث حكمه بالنسبة للجمعة متوافق، ولكن الإشكال في لفظة [أو غيرها] ؛ لأن هذا مغاير للواقع، فإذا أدرك ركعة من العصر وأضاف إليها أخرى لم تتم صلاته، وإنما يصدق هذا على الجمعة فقط، ولفظة [غيرها] أعتقد أنها ليست في الروايات، أو أن فيها مقالاً في زيادتها أو عدم زيادتها، والذي يهمنا هنا ما تدرك به الجمعة؟ هذه هي المسألة الفقهية.
وقد تقدم لنا أن من أدرك شيئاً مع الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك الجماعة، بل إنه جاء في شأن آخر الوقت: (من أدرك من العصر ركعةً قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ، وجاءت رواية: (من أدرك تكبيرة الإحرام قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ، فالجمهور على أن من أدرك الإمام في الجماعة قبل أن يسلم فقد أدرك الجماعة، والمالكية لهم رأي في اشتراط الركعة كاملة، ولكن الجمهور على خلاف ذلك.
وأما الجمعة فالجمهور على أن من أدرك من الجمعة ركعةً كاملة فقد أدركها وتدرك الركعة إذا أدرك الإمام في الركوع، قبل أن يرفع رأسه من الركوع فيكون قد أدرك الركعة، وهذا رأي الجمهور، بخلاف من يقول: قد فاتته القراءة، وعلى هذا الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، فرأيهم أن من أدرك ركعةً من الجمعة فليضف إليها أخرى ويكتفي بالركعتين، وقد سقط فرض يومه وهو الجمعة.
والخطبة تكون قبل الصلاة، وهذا لم يدرك الخطبة، فهل يكون مدركاً للجمعة أيضاً؟ والجواب: نعم؛ لأن الخطبة انتهت قبل الصلاة وانتهى الأمر، ويستدلون بما جاء عن أمير المؤمنين عمر في رواية مالك في الموطأ أنه كان يخطب، وفي أثناء الخطبة دخل رجل، فقال: أي ساعة هذه؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما لبثت أن سمعت النداء فتوضأت فجئت قال: والوضوء أيضاً! فقالوا: لو كان سماع الخطبة واجباً لأفهمه، كما لو كان الغسل واجباً لأفهمه، واكتفى منه بما أدرك من الخطبة، واكتفى منه بما أوقع من وضوء.
وسيأتي حكم الغسل والوضوء للجمعة فيما بعد، ويهمنا أنهم مجمعون على أن من فاتته الخطبتان، وفاتته ركعة كاملة، وجاء وأدرك الإمام في ركوعه وركع معه، واطمأن معه بقدر ما تحسب له الركعة فإنه يقوم بعد سلام الإمام ويأتي بركعة، أي: يضيف إليها أخرى وقد تمت جمعته، وهذا هو الحد الأدنى.
ومع ذلك فقد جاء الحث على التبكير، كما في الحديث: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ... ) إلخ.
والحد الأدنى الذي ذكرناه في إدراك الجمعة قال به مالك والشافعي وأحمد، وقال الأحناف: تدرك الجمعة بما تدرك به الجماعة.
فمن أدرك الإمام قبل أن يسلم ودخل معه في الصلاة فقد أدرك الجمعة، فليقم وليصل ركعتين، بل هناك قولٌ عندهم بأنه لو قدر أن الإمام سها في صلاته وسجد للسهو، وجاء المتأخر فأدرك الإمام في إحدى سجدتي السهو قبل أن يسلم أدرك الجمعة، ولكن هذا الحديث الذي صححه ابن خزيمة أو النسائي وغيره فيه: (من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى) ، فهل الذي لم يدرك من الجمعة ركعة له حكم من أدركها؟ فمفهوم المخالفة أن من لم يدرك ركعةً كاملة لا يكفيه أن يضيف إليها أخرى؛ لأن الحديث يقول: (من أدرك من الجمعة ركعة) ، فهذا الحديث دليل للجمهور، وهو خاص بموضوع الجمعة.
فإذا لم يدرك الركعة فالأئمة الثلاثة يقولون: إذا أتى والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية فإنه يدخل معه، وإذا أتى في التشهد يدخل معه، ولكن يقوم فيأتي بأربع ركعات.
والمشكلة أنه إذا دخل مع الإمام في صلاة الجمعة ونوى جمعة، فالجمعة لم تحسب له، وإن نوى ظهراً غاير نية الإمام، وهذا إشكال، ولذا قال الأحناف: أنتم أتيتم بهذا الإشكال، فدعوه يدركها بالتشهد أو بغيره.
والجمهور يقولون: هي عبادة توقيفية، فيدخل معه موافقة له في نية الجمعة، فإذا سلم الإمام انفصل عنه وجدد نية الظهر.
وهناك مسألة يثيرها بعض الناس، ونسمع التساؤل عنها كثيراً، وهي: مسألة من لم يحضر الجمعة كمريض ومسافر ونسوة في البيوت، ومن العجب أن نسمع بعض الناس يقولون: نصلي ركعتين؛ لأنهما فريضة اليوم، فأخذوا بهذا وتركوا لوازم الجمعة الأخرى كالجماعة والخطبة، ولهذا أجمع الأئمة الأربعة ومن وافقهم على أن من لم يصل الجمعة مع الإمام في المسجد، فإن فريضته صلاة أربع بنية الظهر.
وأما هل الجمعة نيابة عن الظهر، أو الظهر نيابة عن الجمعة؛ فقد قدمنا بأن الأئمة الأربعة يقولون: إن الجمعة هي فرض يومها.
فإن قيل: كيف يصلي هؤلاء الظهر على أنه فرض يومهم؟ فيقال: من توفرت فيه شروط الجمعة صار فرضه الجمعة، ومن لم تتوفر فيه شروط الجمعة بقي على الأصل، والأصل هو الظهر، ولا نزاع في ذلك ولا خلاف، والله تعالى أعلم.