قال المصنف: [وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضاً فرآه يصلي على وسادة، فرمى بها وقال: صل على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك) رواه البيهقي وصحح أبو حاتم وقفه] .
وهذا الحديث أيضاً في صلاة المريض، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضاً لم يسمه الراوي لنا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعود المرضى، ولم يقتصر ذلك على أصحابه رضوان الله عليهم، بل عاد خادماً له كان يهودياً كما جاء في الخبر: أنه تأخر عنه غلامه اليهودي فسأل عنه، فقالوا: إنه مريض، فقال: قوموا بنا نعوده، وذهب صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى هذا الغلام الخادم، فوجده في ساعته الأخيرة، فجلس إلى جنبه وقال: (يا غلام! قل لا إله إلا الله محمد رسول الله، فنظر الغلام إلى أبيه اليهودي عند رأسه، فقال اليهودي لولده، يا بني! أطع أبا القاسم، فنطق بالشهادتين ومات في الحال، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تولوا أنتم أمر صاحبكم) .
انظر إلى عظمة الإسلام! في آخر لحظة من حياته، وفي آخر نفس من أنفاسه، ينطق بالشهادتين، فتثبت له الصحبة لرسول الله صلى الله، والأخوة للمسلمين، وانقطع ما بينه وبين أبيه.
المانع عظيم جداً: (تولوا أنتم أمر أخيكم) متى كان أخي وهو يهودي! ولكن: بـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صار أخاً لنا، وانظروا كم في هذه الزيارة من البركة، حيث أنقذ الله بها إنساناً من النار ونقله إلى الجنة، ولم يركع ركعة ولم يسجد سجدة لله.
إذاً: كان صلى الله عليه وسلم يعود المرضى، وهذا منه صلى الله عليه وسلم فيه تألف لغير المسلمين، وبيان مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
يذكر ابن شبة في تاريخ المدينة: أنهم أول مجيء المهاجرين في الهجرة كانوا إذا مرض الواحد من المسلمين واشتد به المرض واحتضر، آذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه إلى بيته، وحضر تغسيله وصلى عليه، ثم يذهب معهم لدفنه، فقالوا: لقد أكثرنا على رسول الله وشققنا عليه، لو أننا تركنا إخباره وقمنا على ميتنا فجهزناه ونقلناه إلى رسول الله يصلي عليه في بيته، فتركوا الإخبار، وكانوا يجهزون الموتى ويأتون بهم، ويضعون الجنازة في الجهة الشرقية من المسجد -وتسمى إلى الآن: مصلى الجنائز، ودرب الجنائز أي: الطريق الذي يأتي من قبلي المسجد- وتوضع في فرش الحجر، وهو السور الموجود الآن حالياً ما بين باب جبريل وباب البقيع الجديد، فكانوا يأتون ويضعون الجنازة ويخبرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج ويصلي على ميتهم.
إذاً: كان صلى الله عليه وسلم يذهب إليهم في بيوتهم، وهذا فيه من جبر الخاطر وتطييب النفس الشيء الكثير.