فيقول المصنف رحمه الله: [عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر) متفق عليه، وللبخاري: (ثم هاجر، ففرضت أربعاً، وأقرت صلاة السفر على الأول) ] .
هذا الحديث من أقوى أدلة من يقول: إن القصر في السفر واجب.
فقولها في الحديث: (ثم) للتأخير والتسويف.
إذاً: حينما نسافر نرجع إلى الأصل، والأصل ركعتين، وهذا قول قوي.
لكن الآخرون يجيبون عن ذلك: بأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} [النساء:101] ، فالقصر يكون من تمام الكمال.
إذاً: قول عائشة رضي الله تعالى عنها ليس فيه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهي لم تقل: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، بل قالت: (أول ما فرضت الصلاة) ، فقالوا: هذا قول واجتهاد منها رضي الله تعالى عنها، ولم تسند ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأت عن غيرها من الصحابة، ولو كان الأمر كذلك لاستفاض ونُقل عن غيرها معها، فقالوا: هذا يجعل الأخذ به فيه ضعف.
فهنا: أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم حصل تغيير فأتمت صلاة الحضر أربعاً، وبقيت صلاة السفر على ما هي عليه.
ورد القائلون بأن القصر رخصة وليس بواجب فقالوا: أخبرونا عن هذا المسافر الذي تفرضون عليه ركعتين فقط: إذا ائتم بمقيم فهل: يتم أربعاً تبعاً لإمامه، أو يقتصر على ركعتين؟ وإجماع الفقهاء على أن المسافر إذا ائتم بمقيم في الرباعية فعليه أن يتم، فلو أدرك مع الإمام المقيم الركعتين الأخيرتين فلا يحق له أن يسلم معه، بل يقوم ويأتي بالركعتين اللتين فاتتاه، فلو أن صلاة السفر تجب ركعتين لكان أحد أمرين: إما أن يمتنع المسافر من الائتمام بالمقيم حتى لا يلزم بالأربع، وإما أن يسلم من ركعتين التي هي فرضه، فلما لم نجد شيئاً من ذلك، ووجدنا أن المسافر يأتم بالمقيم فيتم، تبين لنا أن صلاة السفر يمكن إتمامها.