بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل) رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان] .
يأتي المؤلف رحمه الله بهذا الحديث تحت عنوان صلاة الجماعة والإمامة.
ونفهم من هذا الحديث أنه كلما كانت الجماعة أكثر عدداً كانت أفضل أجراً، وهذا هو الموضوع الإجمالي للحديث.
أما الحديث من حيث هو فمسائله متعددة.
منها: مسألة انعقاد الجماعة بالرجلين، فهل تنعقد الجماعة بإمام ومأموم فقط؟ أم لا بد للجماعة من ثلاثة فأكثر؛ لأن أقل الجمع ثلاثة؟ فهذه أول مسألة في الحديث، والتحقيق فيها أنه تنعقد الجماعة بالاثنين.
وفي حال كون الثاني امرأة -رجل وامرأة- فهل تعتبر جماعة أم لا تعتبر؟ يقولون: تصح الجماعة ولو كان المأموم امرأة فقط رداً على من يقول: لا تصح جماعة، ولا تنعقد إذا كان المأموم امرأة فقط، أما إذا كن جمعاً من النسوة فكما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (كنا نأخذ الغلمان من الكتاب يقومون بنا رمضان) .
وعمر رضي الله تعالى عنه نصّب إماماً خاصاً للنساء في تراويح رمضان، حتى يُسرعن ويعدن إلى بيوتهن، فكون الرجل يؤم جماعة من النسوة هذا ليس فيه خلاف.
وبعضهم يستدل لصحة انعقاد الجماعة برجل وامرأة فقط بالحديث: (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتباً من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) فهنا: (فصليا جميعاً) إمام ومأموم، والإمام هو الزوج، والمأموم هو الزوجة، فتنعقد الجماعة باثنين ولو كان المأموم امرأة.
قوله: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى) (أزكى) بمعنى أكثر وأفضل، ومنه قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [النجم:32] أي فلا تمدحوها ولا تفضلوها.
وقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] أي: أكرم نفسه وتزود من الخير.
والزكاة: النمو والزيادة فهنا هما اثنان، وصليا جماعة.
فصحت الجماعة باثنين، وهذه من أوائل مسائل هذا الحديث.
وهنا صلاة الواحد مع الآخر أزكى من صلاته وحده، قال بعض العلماء: فيه دلالة بالإيماء والتنبيه على صحة صلاة المنفرد دون جماعة، وهذا الأمر قد تقدم الكلام فيه.
قوله: (وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل) ، صلاة الواحد مع الاثنين أزكى من صلاته مع واحد فقط؛ لأنهم سيصيرون ثلاثة إماماً واثنين مأمومين، وما زاد فهو أفضل.
فموضوع هذا الحديث أن الجماعة كلما كانت أكثر عدداً كانت أفضل، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يحرص على أداء الجماعة في المساجد التي يكثر فيها العدد، قالوا إلا إذا كان هناك مسجد في الحي، ووجود هذا الشخص في هذا المسجد سيشجع أهل الحي على الصلاة، أو سينتفع منه المصلون في هذا المسجد الصغير بتعليم أو فتوى، أو محافظة على الصلاة، أو سيحضرون خوفاً منه أو متابعةً له، فتكون صلاته في المسجد الأقل عدداً لمصالح أخرى في حقه هو أولى.
أما إذا لم تكن هناك مصالح أو جوانب خارجة عن مجرد الجماعة فكلما كان العدد أكثر كان أفضل.
لأن كل مصلٍ إنما يدعو لنفسه وللمسلمين، وهو واحد من المسلمين، فتناله الدعوات من جميع المصلين، فيشارك في الفضيلة أكثر مما لو كان العدد أقل، والله سبحانه وتعالى أعلم.