إذا جئنا لمعنى (الفاجر) ، فنقول: سمي الصبح فجراً لأن ضوء النهار ينفجر من بين ظلمة الليل، وقال تعالى: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا} [القمر:12] ، فكذلك الفاجر، كأنه يخرج من خفي الأمر إلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وقالوا: هو المصر، أو الملازم، أو المجاهر بالكبائر والعصيان وعدم التوبة.
فإذا كان الشخص بهذه المثابة فهل نقدمه وافداً لنا بين يدي الله فإذا رده ردنا معه؟ فلا ينبغي لمثل هذا أن يؤم غيره من المؤمنين، ولو كان أقرأهم وأفقههم، فلا يؤمّن مؤمناً أي: سليماً من هذه الصفة، ولكن لو كان إماماً راتباً، أو كان سلطاناً والياً، وله حق السلطة، وله حق الإمامة وبالقوة، ماذا يفعل الناس؟ أيصلون خلفه سمعاً وطاعة، أم يتركون الصلاة خلفه ليقع العصيان وشق العصا؟ والجواب: يصلون خلفه، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا أبا ذر! إنه سيكون عليكم أئمة يميتون الصلاة -وفي بعض الروايات: يؤخرون الصلاة- فإن أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة) .
فإذا كان هناك سلطان جائر -عياذاً بالله- وألزم الناس بالصلاة خلفه، أو ألزم الناس بإمام، وإن امتنعوا عن الصلاة خلفه قد تقع فتن فإنه يصلي خلفه، وقد عاصرنا ذلك في بعض دول أفريقيا حينما امتنعت السلطة عن إقامة إمام فقيه عالم حر الكلمة والاتجاه، وجاءوا بشخص إمعة، كلما طلب منه شيء نسبي، وهذا أحب إليهم، وألزموا الناس بصلاة الجماعة والجمعة خلفه، وقد حوصر المسجد بالمصفحات والدبابات لإقامة الصلاة بالقوة، مع أنه لا يجوز أن تصل الأمور إلى هذا الحد.
وقد قال بعض العامة: نعطيهم صلاتهم، ونعطي ربنا صلاته في أول الوقت.
فإذا ابتلي الناس بمثل هذا ولا يمكن تغييره، وكان الخيار بين أحد أمرين: إما أن يصلى خلفه طاعة، وإما أن تقع الفتنة، وما أضر على المسلمين من الحروب الداخلية، والفتنة بين الراعي والرعية، أو بين بعض الطوائف، وهذا كله بعيد عن تعاليم الإسلام.
قالوا: قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا الصلاة لوقتها) ، لأنكم أمرتم بذلك، فإذا جاء إمامكم وصلى، وحضرتم فصلوا معه، وقد جاء في الأثر: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر) ، فإذا مات فاجر أنقول هذا فاجر لا نصلي عليه ولا نجهزه؟ بل نجهزه ونصلي عليه؛ لأنه له حقاً علينا في ذلك، وكذلك إذا أمّ فيجوز أن نصلي وراءه.
ويقول بعض العلماء: لقد ثبت عن العديد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتهم خلف أمراء السوء أو أمراء الظلم، ولا حاجة لتسمية أحد في هذا المقام.
فلا يؤمَّنَّ فاجر مؤمناً، والنصوص العامة تؤيد هذا، ولكن بشرط ألا يكون إماماً راتباً ولاه ولي المسلمين، وألا يكون هو بنفسه الوالي والسلطان، لئلا تكون فتنة.