قوله: (وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) .
قال: في بداية الحديث: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به) والائتمام شامل لأن تأتي بكل ما يأتي به الإمام، ولكن في التفصيل والبيان لم يذكر لنا صلى الله عليه وسلم إلا الأعمال الظاهرة، كتكبيرة الإحرام (الله أكبر) ، والركوع، والرفعُ والتسميع، والسجود.
ولم يذكر لنا الدعاء أو الذكر حال كونه راكعاً، ولم يذكر لنا التسبيح أو الذكر حال كونه ساجداً، ولم يذكر لنا الدعاء بين السجدتين، فالمأموم معفيٌّ عن اقتدائه وائتمامه بالإمام في مثل هذه الحالات؛ لأنها خفية، وتُرِك لكل واحد منهما أن يأتي بما تيسر له، وليس في هذا ائتمام، ولكن الائتمام يكون في الفعل الظاهر.
ثم ختم هذا البيان في الائتمام: (فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً) ، وهذا لا غبار عليه إلا من كان معذوراً، فمن كان له عذر لا يستطيع القيام فهو خارج عن هذا الأمر، فيُصلى الإمام قائماً، والمأمومون القادرون يصلون قياماً، والمأموم العاجز عن القيام يصلي جالساً.
(وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) .
من طبيعة الائتمام أن تصلي قاعداً إذا كان الإمام يصلي قاعداً؛ لأنك أُمرت أن تأتم به، بقوله: (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) ، وقد روي: (أجمعين) ، و (أجمعون) ، وكلاهما من حيث الإعراب صحيح، فـ (أجمعين) على أنها حال، والحال منصوب، وهذا جمع مذكر سالم منصوب علامة نصبه الياء و (أجمعون) : على أنه توكيد لضمير تقديره: صلوا خلفه قعوداً، وهنا الضمير في محل رفع فاعل لـ (صلوا) ، وهنا تكون (أجمعون) : توكيداً مرفوعاً تبعاً للمؤكَّد.
ويهمنا أمره صلى الله عليه وسلم للمأمومين إذا أمهم إمامهم قاعداً من مرض فإنهم يصلون خلفه قعودً.
لو أن الإمام كان عاجزاً عن قعوده، وصلى مضطجعاً -ومن حق الإنسان إذا لم يستطع أن يصلي قاعداً أن يصلى على جنبه- فهل يأتمون به ويصلون على جنوبهم؟ والجواب: لا.
فإذا نزلت قدرة الإمام عن الصلاة قاعداً فلا ائتمام به.