يقول ابن دقيق العيد: هذا الحديث ابتداءً يدل على عدم فرضية الجماعة، وذلك أن (أفعل) التفضيل تقتضي المشاركة في شيء وزيادة أحد المشتركين في هذا الأصل الذي يجتمعان فيه، وقال: إن الحديث فيه إثبات الفضل للفذ والأفضلية للجماعة، فلو لم تكن صلاة الفذ صحيحة لما كان لها فضل؛ لأن الباطل لا فضل فيه، وإذا لم يكن فيها فضل فلا تصح المفاضلة بينها وبين غيرها؛ لأن ما لا فضل فيه لا يقارن بغيره.
فهذا الحديث يثبت أن صلاة الفذ لها فضيلة، وبالتالي تصح، وصلاة الجماعة لها فضيلة، ولكن صلاة الجماعة تزيد فضيلتها عن صلاة الفذ، ثم ناقش في الأفضلية مباحث أخرى طويلة.
وبقي عندنا ألفاظ الحديث المختلفة: (سبع وعشرين درجة) ، (بخمس وعشرين جزءاً) ، (بخمس وعشرين ضعفاً) .
أما الضعف فلا يتعارض مع الدرجة ولا الجزء؛ لأن ضعف الشيء ما يساويه ويتكرر ضعفين، أو ثلاثة أضعاف، أو أضعافاً كثيرة.
وبقي التفريق بين الدرجة والجزاء، قالوا: الدرجة أعلى من الجزء وقالوا: الدرجة في الجهرية والجزء في السرية.
وقالوا في (سبعٌ وعشرون) و (خمس وعشرون) : سبع وعشرون في الليلية، وخمس وعشرون في النهارية، ويزيد الفضل في كثرة الجماعة، وفي أفضلية المكان، وغير ذلك.
فإن فضل الجماعة يختلف، فكلما كثر العدد زاد الفضل؛ لأن كل مصلٍ يدعو ويُشرك غيره في دعائه، وذلك بقوله: اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، اللهم عافنا، وكذلك الإمام يدعو للجميع، فكلما كثر العدد زاد الفضل، وقالوا: المسجد القديم، والمسجد الذي فيه إمام راتب من ولي الأمر يزيد الفضل فيه عن غيره.
وقال العلماء: هذا الحديث -حديث ابن عمر - لا يستدل به على وجوب الجماعة، ولكن يستدل به على فضيلتها، والأفضلية لا تقتضي الوجوب، فما هي الفضيلة؟ إنها تفضل صلاة الفذ سبعاً وعشرين أو خمساً وعشرين درجة، أو جزءاً، أو ضعفاً.
فلا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه من هذا الفضل بأن يقصر في تحصيله، وحكم صلاة الجماعة سيأتي الحديث عنه في الحديث الذي يلي هذا.
فنأخذ من هذا الحديث أفضلية صلاة الجماعة، ونأخذ بما قاله ابن دقيق العيد، ففيه تنبيه وإيماء إلى صحة صلاة المنفرد، مع أنها تنقص عن فضيلة الجماعة، وهذا حدنا في هذا الحديث، وتتمة الكلام عن صلاة الجماعة إنما هي مستوفاة عند الحديث الآتي إن شاء الله.
قال: [ولهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (بخمسة وعشرين جزءاً) ، وكذلك للبخاري عن أبي سعيد وقال: (درجة) ] .
أبو هريرة وأبو سعيد الوارد عنهما في الصحيحين: (بخمس) ، (جزءاً) ، و (درجة) ، كل ذلك لا بأس به، لكن يهمنا أن المؤلف يسوق في رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري (بخمس) ، ولذا قالوا: لم يرو السبع والعشرين إلا ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، إلا أن الاختلاف في خمس وسبع أمر يُتجاوز فيه، ولا يتعارض في الفضيلة.