ويروي المروزي، وهو أوسع من جمع في قيام الليل، عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة صور: منها: أنه خرج على أناس يصلون خلف أناس يقرءون، فقال: ما بال هؤلاء؟ قالوا: قوم ليس معهم قرآن يصلون خلف من معه قرآن، وذلك في رمضان، وهناك رواية تقول: (فسكت وترك) ، ورواية تقول: (أحسنوا) ، وفي رواية: (ونعم) ! ونأتي مرة أخرى أنه صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة قال: انصبي لي حصيراً يا عائشة على باب الحجرة، فنصبت حصيراً على باب حجرته، فصلى العشاء ودخل البيت، ثم قام من نصف الليل فصلى وصلى وراءه من كان في المسجد، ثم كذلك من الليلة الثانية، فتسامع الناس وجاءوا وصلوا وراءه أكثر مما كانوا بالأمس، وتختلف الرواية في أنه حدث ذلك في ليلتين أو ثلاث، أو ليلة واحدة، وأخيراً صلى العشاء وخرج ثم نظر إلى المسجد وهو غاص بالناس.
تقول عائشة: كاد المسجد أن لا يحمل أهله، فقال: ما بال الناس يا عائشة؟ قالت: ينتظرون خروجك، لقد تسامعوا بصلاتك وصلاة أقوام خلفك البارحة، فجاءوا ينتظرون ليصلوا بصلاتك كما صلى أولئك، فقال: اطوي عنا حصيرك.
ثم أصبح وقال لهم (والله ما بت بحمد الله غافلاً ليلتي هذه، وما خفي علي صنيعكم، ولكني خشيت أن أخرج إليكم فتفرض عليكم) .
إذاً: ما منعه من الخروج إليهم إلا خشية أن تفرض، وهذا يتضمن تقرير الصلاة جماعة.
ثم يأتي حديث أنس مرة أخرى، يقول أنس: (صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فما قام بنا نصف الشهر، ثم لما كان ليلة ثلاث وعشرين قام بنا، وصلى بنا إلى ثلث الليل، ولم يقم أربعاً وعشرين، فلما كان ليلة خمس وعشرين صلى بنا، ولم يقم ليلة ست وعشرين، فلما كان ليلة سبع وعشرين قام بنا وأيقظ أهله، وصلى إلى ثلثي الليل.
فقلنا يا رسول الله! هلا نفلتنا بقية ليليتنا؟ قال صلوات الله وسلامه عليه: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته) .
وهنا في الليلة الأولى قام إلى ثلث الليل، وفي الثانية إلى نصفه، وفي الثالثة إلى ثلثيه، ولم يرد لنا عدد ركعات الصلاة، ولكن عرفنا زيادة الزمن، فهل يا ترى كانت تلك الزيادة هي عدد ركعات أم أنها تطويل في القراءة؟ الله تعالى أعلم، إنه اجتهاد زائد عما قبله.
وجاء أيضاً: (كان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد المئزر، وطوى فراشه، وأيقظ أهله) أي: يجتهد في العشر الأواخر أكثر مما كان يجتهد في العشرين قبلها، وبأي نوع يكون الاجتهاد هل بزيادة الركعات أم بتطويل القراءة؟ الله أعلم، لكن هناك زيادة في العبادة في العشر الأواخر.
وهنا لما كان منه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بمن خلفه دون أن يشعر بهم، وفي بعض الروايات: (فشعر بنا فخفف الصلاة، فقلنا: أشعرت بنا؟ قال: نعم، وهذا الذي حملني على ما صنعت) ، وفي بعض الروايات جاء: (وهو لا يشعر بنا) ، وهو لا يقر على باطل، فلو أن صلاة التراويح جماعة في المسجد باطلة لا تجوز ما أقره الله على ذلك، ثم باختياره قام ليلة ثلاث وخمس وسبع وأيقظ أهله، هذا في عهده صلى الله عليه وسلم.