بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعنه رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فإنها رجس) ، متفق عليه] .
انتقل المؤلف رحمه الله تعالى إلى بيان نجاسة بعض الحيوانات -أي: لحومها- وتحريم أكلها.
والتوقيت بذكر يوم خيبر يدل على أن ما قبله كان مغايراً لما بعده، وأن هذا الحكم الطارئ الجديد يبدأ العمل به من تاريخ يوم خيبر، ويوم خيبر كان في السنة السابعة من الهجرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن ينادي في الناس بتحريم لحوم الحمر الأهلية.
وقد يتساءل إنسان: لماذا خص أبا طلحة، مع أن القاعدة في التبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون المبلغ من ذويه ومن أهله؟ كما جاء في قصة سورة براءة، فعندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر سنة تسع يحج بالناس -ولم يحج صلى الله عليه وسلم لعوارض كانت موجودة-، فنزلت سورة براءة، فبعث علياً رضي الله تعالى عنه ليقرأ سورة براءة على المشركين، ويعلن انقطاع المعاهدات بين المسلمين والمشركين، وأرسله على ناقته القصوى، فقالوا: لا يبلغ عن الرسول إلا واحد من ذويه.
وهنا في عام خيبر يبلغ أو يكلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة، مع وجود علي، ومع وجود من هو أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي طلحة، كـ أبي بكر، وعمر، وعثمان.
والجواب أنا إذا نظرنا في ترجمة أبي طلحة نجد منه ما يرشحه لهذا العمل، وهذا يعطينا أنه ينبغي أن نقدم الأشخاص ذوي الاختصاص فيما يختصون فيه، فقد كان أبو طلحة جهوري الصوت، حيث جاء في ترجمته: صوت أبي طلحة في الجيش كفئة، وقيل: صوت أبي طلحة في الجيش كألف رجل، فكان صوته جهورياً وقوياً، وكذلك كان العباس رضي الله تعالى عنه، فقد كان العباس إذا كان بالمدينة، وله غلمان في الغابة، وبينه وبينهم مسافة بعيدة يصعد على جبل وينادي غلمانه فيسمعونه ويجيبونه.
فهناك أشخاص أوتوا بعض الخصائص في القوة سواءٌ البدنية أم الفكرية.
فنادى في الناس: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية) ، وكانوا قد ذبحوا منها في ذلك اليوم، ولحومها في القدر على النار، فلما نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفأوا القدور مباشرة، وامتنعوا عن الأكل منها.