قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم) .
ثم يأتي بهذا الحديث وله دلالة من جهتين: الجهة الأولى: (إن الله أمدكم) والمدد يكون زيادة عن الأصل، كمدد الجيش.
(أمدكم بصلاة) ولم يقل: (أوجب عليكم صلاة) يعني: هي مدد زيادة في الأجر وفي العمل، وفرصة أخرى فيها متسع لكم (هي خير لكم من حمر النعم) فإذا كان الأمر موكولاً إلى: (خير لكم من حمر النعم) ، فالذي يريد حمر النعم يهتم بها، والذي لا يريد فلا حرج.
إذاً: هذا الحديث يدل من جانب على أن الوتر ليس بواجب، وإنما هي صلاة أمدنا الله سبحانه وتعالى بها.
الناحية الثانية: بيان فضل الوتر، بأن الوتر من صلاها فهي خير من حمر النعم، وما هي حمر النعم؟ أين أهل نجد أو أهل البوادي أو أهل الإبل أين العمانيون؟ حمر النعم هي نوع من الإبل العمانية أو مثلها، تأتي في لون فيه احمرار، وهي جميلة الشكل، فارهة القوام، وهي أحسن أنواع الإبل.
ولما كان المخاطبون أهل إبل خوطبوا بما هو أحب شيء إليهم، واليوم تخاطبهم فنقول: خير من أجمل القصور، وخير من أحسن السيارات، ولكن التعبير النبوي الكريم، لا يأتي تعبير أحسن منه ولو تطورت الحياة حتى يصل الناس إلى غزو الفضاء وغيره، فحمر النعم هي الزينة وهي الجمال، وهي المتعة، وهي التي تقر لها العين، أما غيرها فقد يخشى الإنسان منها.
فحمر النعم إذا رأيتها في الصحراء وهي تقطع الفضاء، وهي في رشاقتها كما يقال: تسر النظر، وتشرح الصدر، ويطمئن إليها صاحبها، وهذا خير ما يتطلع إليه الإنسان صاحب الحلال.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ، وهذا منه صلى الله عليه وسلم ترغيب في الوتر، وبيان لأجره وفضله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال المؤلف: [وعن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا) أخرجه أبو داود بسند لين، وصححه الحاكم، وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد.
] تقدم مثل هذا اللفظ، وتقدم معه ما يبين ذلك الحق: (فمن شاء أن يوتر بخمس.
بثلاث.
بواحدة فليفعل) ، وهنا أعاده المؤلف مرة أخرى بعد هذا البيان: (الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا) .
هذه الأحاديث التي فيها: (ليس منا من فعل كذا، ليس منا من فعل كذا) تترك على عمومها، كما قالوا: أحاديث الزجر والوعيد لا تشرح ولا تفسر، وبإجماع المسلمين كلمة: (ليس منا) لم تخرجه عن نطاق الإسلام، حاشا وكلا، ولكن (ليس منا) أي: من خيارنا، وليس على مستوانا، وليس على ما نحن عليه من التزام الفرائض والنوافل.
إذاً: (ليس منا) : أي: من المجموعة التي تحافظ على هذا الباب الخير، ويكون الصارف على هذا المعنى تلك النصوص الأخرى التي صرفت نصوص الوجوب إلى الندب، ومعلوم أن من ترك مندوباً لم يخرج عن الإسلام، بل إجماع المسلمين -ما عدا بعض الفرق- أن من وقع في كبيرة لا يخرج عن الإسلام؛ لأنه يترك إلى المشيئة، بخلاف المعتزلة والخوارج الذين يكفرون بالكبائر، والمعتزلة لا يجرءون أن يكفروا في الدنيا، وأهل السنة والجماعة مجمعون على أن لا تكفير بذنب: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء:48] ، فما دون الشرك متروك لمشيئة الله سبحانه.
إذاً: فقد اتفقنا على أن الوتر ليس فرضاً كفرض الصلاة، كما قال علي رضي الله تعالى عنه: (ولكنه سنة سنها رسول الله) ، فمن ترك سنة لا يكون ترك الإسلام.
إذاً: هذا من أحاديث الوعيد التي تمر كما جاءت.