قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه) رواه أبو داود بسند فيه لين] .
هنا جاء المصنف بجزئية من الأحكام الفقهية المتعلقة بالسجدة، وهي في قوله: (كبر وسجد) ، هو يقرأ وليس في صلاة، فلماذا كبر؟ بعضهم يقول: هي تكبيرة للانتقال؛ لأنه انتقل من القراءة إلى السجدة.
وبعضهم يقول: هي تكبيرة إحرام، فيكبر للسجدة كما يكبر لدخوله في الصلاة.
ومن هنا قالوا: هل يسلم أو لا يسلم؟ وهل هي صلاة أو ليست بصلاة؟ والجمهور بصفة عامة يقولون: إن سجدة التلاوة صلاة، بمعنى: أنك تكون على طهارة، وتستقبل القبلة، مع ستر العورة، وأن تكون في غير أوقات النهي، ومن عجب! ما ينقل عن ابن حزم -وقد نقلناه في الرسالة- أنه يقول: إن سجدة التلاوة لا يشترط لها شيء، ويقول: أنتم تقولون: فيها تكبير، والتكبير في كل وقت، فإذا قلتم: فيها تكبير كتكبير الصلاة، فالصلاة فيها قيام وقعود، فهل تقولون بالسجود أو بالتكبير أو بالسلام لكل قيام وقعود؟ وأنا أستعجب من عقلية هذا الإمام الكبير أن يجعل القيام والقعود كالتكبير للسجدة، فالسجدة خاصة بالصلاة، ولا توجد سجدة في غير صلاة، أما التكبير فنجده في كثير من العبادات: نجده في الذكر بعد الصلاة، نجده عند رمي الجمار، نجده عند أيام العيد، فسبحان الله! بل حتى إذا شب الحريق نكبر، وإذا لقينا العدو نكبر، فالتكبير ليس خاصاً بالصلاة، وكذلك القيام والقعود ليس خاصاً بالصلاة، بل يأتي القيام والقعود للأكل والنوم والمشي والروحة والمجيء.
إذاً: هذه التي ذكرها ليست من خصائص الصلاة فلا تعطى أحكامها، وأما السجود فلا يوجد سجود إلا في الصلاة، فسجدة التلاوة تشابه سجدة الصلاة، وقد تجمع السجدة بين الأمرين: بين الصلاة وبين التلاوة، كما لو تلا سورة فيها سجدة، فسجد وهو في الصلاة، فتكون جزءاً من الصلاة للتلاوة.
إذاً: قياس غير السجدة عليها ليس موافقاً، وبالله تعالى التوفيق.