قال المؤلف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس فقالوا: قصرت الصلاة! وفي القوم رجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين فقال: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: بلى، قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر) متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي رواية مسلم: صلاة العصر] .
هذا الحديث من أهم الأحاديث النبوية، وكلها مهمة، ولكنه لموضوعه اهتم به العلماء كثيراً، حتى إن بعض العلماء أفرده بتأليف خاص وإن كان لم يصلنا، لكنهم نقلوا عنه الشيء الكثير، وبعضهم ينقل عمن كتب في هذا الحديث أنه استخرج من هذا الحديث مائة وخمسين مسألة، وابن دقيق العيد رحمه الله لدقة أسلوبه يقول: إن الكلام على هذا الحديث من ثلاث جهات: الجهة الأولى: جهة أصل الدين والعقيدة.
الجهة الثانية: جهة علم الكلام.
الجهة الثالثة: جهة حكم الحديث فقهياً.
ثم أخذ يتكلم عن كل قسم منها في كتابه: (إحكام الأحكام في شرح كتاب عمدة الأحكام) ، وللإمام الصنعاني صاحب سبل السلام حاشية تسمى: (العدة على شرح العمدة) ، تعقب ما جاء به ابن دقيق العيد بزيادة التفصيل، والتنبيه على ما يلزم التنبيه عليه.
أما موضوع علم الكلام: فإنه في هذه المحاورة والتي تعتبر عند المنطقيين قاعدة في الفرق بين الكل والكلية، وهي قوله صلى الله عليه وسلم لـ ذي اليدين: (لم تقصر ولم أنس) ، وفي بعض الروايات: (كل ذلك لم يكن) ، وهذا هو المبحث المنطقي.
ثم في أصول الفقه بحث فيما يتعلق بخبر الواحد، ويذكرون أن ذا اليدين أخبر رسول الله، فلم يكتف بإخباره وسؤاله، بل استوثق من الحاضرين فقال: (أصدق؟) فيبحث الأصوليون مدى قوة خبر الواحد والاستدلال به.
ثم يأتي فقه المسألة: أنه صلى الله عليه وسلم بعدما سلم سجد ثم سلم.
وهذا هو فقه المسألة، وهو ما يتعلق بسجود السهو.
وأرجو من الإخوة طلاب العلم أن يرجعوا إلى هذا الحديث سواء في الموطأ، أو في إحكام الأحكام لـ ابن دقيق العيد، أو في العدة للصنعاني، أو في فتح الباري، أو في جميع موسوعات الحديث التي تكلمت على هذا الموضوع بإسهاب، وبالله تعالى التوفيق.
وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليماً.