هنا تأتي مباحث صلاة المريض، أو المعذور بأي نوع من أنواع الأعذار، وهذا الحديث يرشد إلى عدم الاستطاعة للقيام، إما عجز طبيعي لكبر، وإما عجز طارئ لمرض؛ فالمبدأ الأساسي أن يصلي قائماً، بمعنى: أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم، ويقرأ ويركع ويرفع ثم يهبط إلى السجود ويكمل سجدتيه ثم ينهض قائماً وهكذا؛ فإن عجز عن هذا القيام ليقرأ ويركع ويرفع ماذا يفعل؟ يأتي الحديث يسقط عنه هذا القيام، ويصلي قاعداً.
ومع هذا أيضاً تذكر مباحث النوافل؛ فيمكن أن يصليها قاعداً أو قائماً صحيحاً أو مريضاً، ما دامت الفريضة تجزئ بالقعود عند الحاجة ولكونها فريضة لم تسقط، والنافلة مطلوبة، ولكن إذا لم تكن نافلة إلا من قادر على القيام ربما ضاعت كثير من النوافل، وحرم الكثيرون من فوائد وفضائل النافلة، فخفف في أمرها ترغيباً فيها، بقي إن عجز عن الصلاة قاعداً كيف يصلي؟ مضطجعاً، وإن عجز مضطجعاً كيف يصلي؟ مستلقياً، وإن عجز عن الإيماء كما قال: (فأومئ) ماذا يفعل؟ الفقهاء رحمهم الله فصلوا في هذا الباب إلى أبعد ما يمكن أن يخطر ببالنا، أما هيئة صلاة العاجز عن القيام ومتى يكون عاجزاً؟ وهل كل مرض يسقط عنه القيام؟ قالوا: القاعدة في ذلك: إن كان عاجزاً فعلاً أو ليس عاجزاً فعلاً إلا أن صلاته قائماً وهو مريض تزيد في مرضه أو آلامه أو تُطيل مدة برئه، ويرى بعض العلماء كما يذكر ابن قدامة في المغني: ننظره في أمر دنياه، هل هو في أمر دنياه يقوم ويجلس ويذهب ويأتي وعند الصلاة يقول: أنا لا أستطيع إلا أن أصلي جالساً؟! إن كان في أمر دنياه يأتيها قائماً، ويتحرك حركة طبيعية بدون مشقة؛ فهذا لا يسقط عنه القيام في الصلاة، وإذا كان يأتي أمور دنياه قائماً بتكلف نقول: لا، أمر الدنيا قد يضطر إليه، ولكن أمر الدين للرحمن الرحيم، فرحم الله عباده فخفف عنهم، فإذا كان كبير السن لا يقوى أو ممن عجز ولا يرجى زواله، أو كان مريضاً، والمرض له حالات: هناك أمراض يستطيع صاحبها أن ينهض ويقوم ويذهب ويأتي، ولكن بمشقة عليه فيعفى من القيام، وهناك مريض لا يكلفه القيام شيء، وقد تكون أمراضه مستوطنة أو طارئة أو عضوية وهو في تلك الحالة مستطيع القيام دون مشقة عليه؛ فلا عذر له، فإذا وجد العذر وثبت العجز عن القيام فيصلي على ما قال الفقهاء، وكيف تكون هيئته في صلاته؟ لو فكرنا في الهيئات التي يمكن أن يأتي بها الإنسان إما متربعاً وإما كجلسته في التشهد، أو قائماً على ركبتيه أو جالساً على مقعدته ورافعاً ركبتيه وضامم ساقيه بيديه محتبياً، أو ناصباً إحدى رجليه والثانية للأخرى، كل هذه الصور يمكن أن نجد إنساناً قاعداً على هيئتها، فالقاعدة عند الجميع: ما كان أيسر له يفعله، الأيسر في حقه يكفيه، حتى ولو على ظهره، ولو كان لا يستطيع الركوع ولا السجود، ويستطيع أن يكون قائماً أو متكئاً على العصا لا مانع أن يظل قائماً ويومئ بركوعه أقل من سجوده وهو قائم؛ لأن هذا الذي تيسر له، فإذا كان يستطيع فعل عدة صور مما ذكرنا فأولى الصور وأولاها في ذلك كله: أن يكون في الركن الذي فيه القراءة يؤديه وهو متربع، وركن القراءة يكون في القيام، إذاً: حينما يكون في أداء القراءة يقرأ وهو متربع، وركن الركوع ليس هناك تربيع، ولا يثني حقوه ناصباً ركبتيه وهو لا يستطيع هذه الهيئة، إذاً: يكون ثانيَ الركبتين لا يومئ وهو متربع؛ لأن حالة التربع لحالة القيام والقراءة، والركوع يثني ركبتيه ما دام يقدر على الجميع، وإن عجز عن ثني الركبتين للركوع والسجود بقي متربعاً وأومئ وجاء بسجود أخفض من ركوعه.
فالمريض العاجز عن القيام ينظر ما هو أيسر له من الحالات مما جاءت به من هيئات صلاة العاجز؛ فإن كان لا يقدر إلا بها فهي مجزئة، وإذا كان يستطيع لعدة حالات فالأَولى أن يكون في حالة ما يكون قائماً للقراءة متربعاً، وفي حالة الركوع والسجود إن كان مستطيعاً أن يعدل تربيعته، وأن ينهض على ركبتيه كجلسته للسجود ويومئ بالركوع أقل من إيمائه بالسجود؛ فهذه أولى الحالات للمريض أو للعاجز الذي لا يقدر أن يصلي قائماً.